للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كلمة في السياق]

أقسم الله عزّ وجل بالقرآن على أنه هو الذي جعله قرآنا عربيا من أجل أن يعقل الناس، وصلة ذلك بمحور السورة وهو وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا واضحة، فالله يقسم بالكتاب على أنه هو جاعل الكتاب على ما هو عليه من أجل أن يعقل الإنسان، فلا محلّ للريب. وبعد أن وصفه بهذه المقدمة بالإبانة والفصاحة والتسديد للعقل، يأتي المقطع الأول مبدوءا بالحديث عن القرآن. وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ.

[المقطع الأول من السورة وهو الآيات (٤ - ٤٣)]

فالمقطع إذن استمرار للمقدمة فلنره:

وَإِنَّهُ أي: القرآن فِي أُمِّ الْكِتابِ أي: في اللوح المحفوظ لَدَيْنا أي: عندنا لَعَلِيٌّ أي: ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل. قال النسفي: أي في أعلى طبقات البلاغة، أو رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزا من بينها حَكِيمٌ أي: ذو حكمة بالغة. قال ابن كثير: أي محكم برئ من اللبس والزيغ، وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله. أقول: وصف القرآن بالحكمة أوسع مدى بكثير من أيّ تعبير، فكما أنّ الحكمة في هذا الكون لا يستطيع البشر الإحاطة بها، فإن هذا القرآن لا يستطيع البشر أن يحيطوا بكنه حكمته المتعددة الجوانب والظواهر والمظاهر، وإنما يدركون بعضها.

قال صاحب الظلال: (فهذا القرآن «عليّ» .. «حكيم» .. وهما صفتان تخلعان عليه ظل الحياة العاقلة، وإنه لكذلك! وكأنما فيه روح، روح ذات سمات وخصائص، تتجاوب مع الأرواح التي تلامسها. وهو في علوّه وفي حكمته يشرف على البشرية ويهديها ويقودها وفق طبيعته وخصائصه. وينشئ في مداركها وفي حياتها تلك القيم والتصورات والحقائق التي تنطبق عليها هاتان الصفتان: عليّ حكيم).

[كلمة في السياق]

وصفت بداية السورة القرآن بالإبانة والفصاحة والعلو والحكمة، وفي ذلك كله تدليل على أن هذا القرآن من عند الله. فإذا أضيف لذلك أن هذا القرآن هو وحده الذي به يعقل الإنسان وبدونه لا يعقل، فذلك دليل على أن ذاتا عليا فوق الذوات كلها في العلم والإحاطة والحكمة هي التي أنزلته، وكل ذلك مما ينفي الريب عنه، ولذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>