الإنسان فإن أكثر الناس يضلون ويهلكون فيستحقون العذاب الدنيوي والأخروي، وقد جرت سنّة الله ألا يعذب حتى يبعث رسولا، وقد بعث لهذه الأمة رسولا بوحي ومعه كتاب هو أشرف الكتب، به تقوم الحجة، ويستأهل مخالفة العذاب، وبهذا اتضحت مجموعة الأمور التي تترتب على معرفة الآيات وشكرها، وعاقبة كفرانها، وإذ تستقر مجموعة الحقائق هذه فإن الخطاب في المجموعة التالية يتوجه لطلاب الآخرة، وفيها نموذج على كون هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وهي نموذج لمن يريد أن يتحقق بمقام الشكر والعبودية لله. فهي تأتي بعد مجموعتين وبعد مقدمة السورة بانية على ذلك بعد أن وضعت المسلم على كمال الاستعداد لتلقي التوجيه.
وإذا نظرنا إلى علاقة المجموعة اللاحقة بالسياق الكلي للقرآن فإنها تكون آتية لتبين طريق الشكر، وتبين جزءا من الإسلام، وجانبا مما يجب اجتنابه من خطوات الشيطان، وقبل أن نذكر المجموعة الثالثة فلنأت بفوائد وبنقول:
[نقول]
١ - [كلام صاحب الظلال عند الآية إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ]
قال صاحب الظلال: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ هكذا على وجه الإطلاق فيمن يهديهم وفيما يهديهم، فيشمل الهدى أقواما وأجيالا بلا حدود من زمان أو مكان؛ ويشمل ما يهديهم إليه كل منهج وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان.
يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور، بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق. ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، فإذا هي كلها مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى أعلى وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعا واستمتاعا بالحياة.
ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء. ولا تسهل وتترخص حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار. ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال.