الفقراء، إنكارا لأن يكون أمثالهم على الحق، وممنونا عليهم من بينهم بالخير، وقد قال الله في جواب ذلك أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. أي: أليس هو أعلم بالشاكرين له، بأقوالهم، وأفعالهم، وضمائرهم، فيوفقهم ويهديهم سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه إلى صراط مستقيم، وبعد النّهي عن طرد أهل التقوى أمره بتطييب قلوبهم وتبشيرهم
أي: فأكرمهم بردّ السلام عليهم، وبشّرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم، وفي أمره تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول:«سلام عليكم» إما أن يكون أمرا بتبليغ سلام الله إليهم، وإما أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما وتطييبا لقلوبهم كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أمره أن يقول لهم هذا فيبشرهم بسعة رحمة الله، وقبوله التوبة منهم، ومعنى النص: وعدكم بالرحمة وعدا مؤكّدا، وأوجبها على نفسه الكريمة تفضّلا منه وامتنانا وإحسانا. ومن رحمته أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً. أي: ذنبا بِجَهالَةٍ.
أي: بسبب من الجهل، ولا يعصي أحد ربه إلا بجهل، إما بنسيانه بما يتعلق بالمعصية من المضرّة، أو لأن مجرد إيثار المعصية على الطاعة جهل ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ. أي:
من بعد السوء أو العمل وَأَصْلَحَ. أي: وأخلص توبته فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
أي: فشأنه أنه غفور رحيم، يغفر لأهل الإيمان ويرحمهم، فمن رجع عما كان عليه من المعاصي وأقلع وعزم على ألا يعود، وأصلح العمل في المستقبل، فقد وعده الله بالمغفرة والرّحمة، ثمّ ختم الله هذا التوجيه بقوله
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ. أي: ومثل ذلك التفصيل البيّن نفصل آيات القرآن ونوضّحها في صفة أحوال النّاس، ممن هو مطبوع على قلبه، أو من يرجى إسلامه وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ. أي: ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل بهذا البيان.
[الفوائد]
١ - [سبب نزول الآية وَأَنْذِرْ بِهِ ... وما بعدها]
يذكر ابن كثير سبب نزول الآيات: وَأَنْذِرْ بِهِ ... وما بعدها فلننقل رواياته مع حذف الأسانيد:
أ- روى الإمام أحمد ... عن ابن مسعود قال: مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده خبّاب، وصهيب، وبلال، وعمّار فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء؟
فنزل فيهم القرآن وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ إلى قوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ.