صلّى الله عليه وسلم على نوح ومن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء، لأنهم أولو العزم، وأصحاب الشرائع، فلما كان محمد صلّى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء قدّم عليهم، ولولا ذلك لقدّم من قدّمه زمانه). وقال ابن كثير:(فبدأ في هذه الآية بالخاتم؛ لشرفه صلوات الله وسلامه عليه، ثم رتّبهم بحسب وجودهم صلوات الله عليهم) وَأَخَذْنا مِنْهُمْ أي من الأنبياء مِيثاقاً غَلِيظاً أي عهدا قويا شديدا.
ثم بيّن تعالى حكمة العهد والميثاق الغليظ فقال: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ أي وإنما فعلنا ذلك ليسأل الله الأنبياء عما قالوه لقومهم، وبلّغوهم إياه، لتقوم عليهم الحجة، ولا يبقى للخلق عذر، أو ليسأل الله المصدّقين للأنبياء عن تصديقهم، وذلك يكون إذا بذل الرسل طاقتهم في الدعوة، فلا يبقى لأحد حجة، أو ليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم أممهم بعد أن أدّوا رسالات الله وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ من أمم الرسل عَذاباً أَلِيماً أي موجعا.
والمعنى: أنّ الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وتعذيب الكافرين.
[كلمة في السياق]
١ - جاء الأمر بتهديم عادة التبني والتعليل لذلك بين خطابين لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، خطاب في ابتداء السورة يأمر بالتقوى، واتّباع الوحي، والتوكل، وخطاب في نهاية المقطع يذكّر بعهد الله وميثاقه على الرسل ليبلغوا، وكل ذلك يشير إلى أنّ إلغاء التبني هو حكم الله الجازم، الذي ينبغي تبليغه، والالتزام به، ووضع هذا الحكم بين هذين الخطابين يشير إلى أن هذا الموضوع من المواضيع التي تحتاج إلى معالجة محكمة؛ لأنّ تعلّق الناس بها شديد.
٢ - إن المقطع الذي مرّ معنا يفصّل في قوله تعالى من سورة البقرة: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ومن ثمّ فإن من العبادة الموصّلة للتقوى الالتزام بما مرّ في المقطع من معان؛ فليتفطّن إلى ذلك، إنّ الله هو الذي خلق الإنسان، وجعله أبا وابنا، وعلى الإنسان أن يتّقي الله وأن يطيع، وأن
يتوكل على خالقه.
٣ - قلنا إن سورة الأحزاب تأتي مقاطعها على تناوب، فمقطع يفصّل على طريقة سورة النساء، ومقطع يفصّل على طريقة سورة المائدة، والملاحظ أن المقطع