إن الضر يسقط عن الفطرة ركام الأهواء والشهوات، ويعريها من العوامل المصطنعة التي تحجب عنها الحق الكامن فيها وفي ضمير هذا الوجود. فعندئذ ترى الله وتعرفه وتتجه إليه وحده. حتى إذا مرت الشدة وجاء الرخاء. نسي هذا الإنسان ما قاله في الضراء، وانحرفت فطرته بتأثير الأهواء. وقال عن النعمة والرزق والفضل: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ .. قالها قارون، وقالها كل مخدوع بعلم أو صنعة أو حيلة يعلل بها ما اتفق له من مال أو سلطان. غافلا عن مصدر النعمة، وواهب العلم والقدرة، ومسبب الأسباب، ومقدّر الأرزاق.
بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ هي فتنة للاختبار والامتحان. ليتبين إن كان سيشكر أو سيكفر؛ وإن كان سيصلح بها أم سيفسد؛ وإن كان سيعرف الطريق أم يجنح إلى الضلال.
والقرآن- رحمة بالعباد- يكشف لهم عن السر، وينبهم إلى الخطر، ويحذرهم الفتنة. فلا حجة لهم ولا عذر بعد هذا البيان.
وهو يلمس قلوبهم بعرض مصارع الغابرين قبلهم. مصارعهم بمثل هذه الكلمة الضالة التي يقولها قائلهم: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ. قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ* فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ... هي ذاتها هذه الكلمة الضالة قالها الذين من قبلهم، فانتهت بهم إلى السوء والوبال. ولم يغن عنهم علمهم ولا مالهم ولا قوتهم شيئا. وهؤلاء سيصيبهم ما أصاب الغابرين. فسنّة الله لا تتبدّل وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ. فالله لا يعجزه خلقه الضعاف المهازيل!.
فأما ما أعطاهم الله من نعمة، وما وهبهم من رزق، فإنه يتبع إرادة الله وفق حكمته وتقديره في بسط الرزق وقبضه، ليبتلي عباده، ولينفذ مشيئته كما يريد: أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ؟ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فلا يجعلوا آيات الله سببا في الكفر والضلال .. وهي جاءت للهدى والإيمان .. ).
[ملاحظات حول السياق]
١ - [إبراز التشابه بين المجموعة الأولى من كلا المقطعين]
لاحظنا أن المجموعة الأولى في المقطع الأول: بدأت بقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا