وهذه السورة نموذج من ذلك التنسيق. لقد تضمنت بعض الحدود إلى جانب الاستئذان على البيوت. وإلى جانبها جولة ضخمة في مجالي الوجود. ثم عاد السياق يتحدث عن حسن أدب المسلمين في التحاكم إلى الله ورسوله، وسوء أدب المنافقين.
إلى جانب وعد الله الحق للمؤمنين بالاستخلاف والأمن والتمكين. وها هو ذا في هذا الدرس يعود إلى آداب الاستئذان في داخل البيوت؛ إلى جانب الاستئذان من مجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وينظم علاقة الزيارة والطعام بين الأقارب والأصدقاء؛ إلى جانب الأدب الواجب في خطاب الرسول ودعائه ... فكلها آداب تأخذ بها الجماعة المسلمة وتنتظم بها علاقاتها. والقرآن يربيها في مجالات الحياة الكبيرة والصغيرة على السواء).
[المجموعة الأولى]
وهي إحدى عشرة آية
وَيَقُولُونَ أي يقول المنافقون بألسنتهم وهو خلاف ما في قلوبهم آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ أي صدقنا بقلوبنا بالله وبالرسول وَأَطَعْنا الله والرسول ثُمَّ يَتَوَلَّى أي يعرض عن الانقياد لحكم الله ورسوله فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد إعلانهم الإيمان والإسلام، وإعطائهم الطاعة، فهم يخالفون أقوالهم بأعمالهم، فيقولون ما لا يفعلون، ولهذا قال تعالى وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ المخلصين، قال النسفي:(وهو إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا، لا إلى الفريق المتولي وحده، وفيه إعلام من الله بأن جميعهم منتف عنهم
الإيمان؛ لاعتقادهم ما يعتقد هؤلاء، والإعراض وإن كان من بعضهم فالرضا بالإعراض من كلهم)
وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ الرسول صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ أي فاجأ الإعراض من فريق منهم
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ أي إذا كان الحق لهم على غيرهم يَأْتُوا إِلَيْهِ أي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مُذْعِنِينَ أي جاءوا سامعين مسرعين في الطاعة؛ طلبا لحقهم، لا رضا بحكم رسولهم قال النسفي: والمعنى: أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المر، والعدل الحق، يمتنعون عن المحاكمة إليك، إذا وكبهم الحق؛ لئلا تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم، وإن ثبت لهم حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك؛ لتأخذ لهم ما وجب لهم في ذمة الخصم)