للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير]

قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا أي: لم تصلوا إلى مقام الإيمان الحقيقى وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أي: دخلنا في الإسلام، وخرجنا من أن نكون حربا للمؤمنين بإظهار الشهادتين وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ قال ابن كثير: (أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد، فدلّ هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدّبوا في ذلك .. ) وقال: إنهم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد، فأدّبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد .. ثم قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً أي: لا ينقصكم من أجوركم شيئا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يستر الذنوب رَحِيمٌ بهدايتهم للتوبة عن العيوب،

وبعد أن ردّ الله عزّ وجل على هؤلاء دعواهم الإيمان عرّف الإيمان الحقيقي من خلال وصفه للمؤمنين الصادقين فقال:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ قال ابن كثير: أي إنما المؤمنون الكمّل الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي: لم يشكّوا ولا تزلزلوا؛ بل يثبتون على حالة واحدة وهي التصديق المخلص. قال النسفي: (والمعنى: أنهم آمنوا ثم لم يقع في نفوسهم شك فيما آمنوا فيه، ولا اتّهام لما صدقوه ... ) واستعمال حرف العطف (ثم) في هذا المقام يشعر أن

الإيمان في قلوبهم مستقر في الأزمنة المتراخية المتطاولة مع كونه غضا جديدا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال ابن كثير: أي وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي: الذين إيمانهم إيمان صدق وحق.

قال صاحب الظلال في هذه الآية: (فالإيمان تصديق القلب بالله وبرسوله.

التصديق الذي لا يرد عليه شك ولا ارتياب. التصديق المطمئن الثابت المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب، ولا تهجس فيه الهواجس، ولا يتلجلج فيه القلب والشعور.

والذي ينبثق منه الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله. فالقلب متى تذوّق حلاوة هذا الإيمان، واطمأن إليه وثبت عليه، لا بد مندفع لتحقيق في خارج القلب. وفي واقع الحياة. في دنيا الناس. يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة الإيمان، وما يحيط به في ظاهره من مجريات الأمور وواقع الحياة. ولا يطيق الصبر على

<<  <  ج: ص:  >  >>