وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ: المراد بالمطلقات هنا المدخول بهن أما غير المدخول بهن فسيأتي حكمهن في سورة الأحزاب. والمراد بهن كذلك ذوات الأقراء على الخلاف في القرء. هل هو الطهر، أو الحيض؟. أما غير ذوات الأقراء ممن لا يحضن، فسيأتي حكمهن في سورة الطلاق. وقوله تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ. خبر في معنى الأمر. وأصل الكلام: ولتتربص المطلقات. وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر، وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله.
فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص. فهو يخبر عنه وجودا. وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص الذي هو الترقب، وزيادة بعث. لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال. فأمرن أن يقمعنها، ويغلبنها على الطموح، ويجبرنها على التربص. والقروء جمع قرء. وهو من ألفاظ الأضداد. يستعمل للحيض، ويستعمل للطهر وقد اختلف السلف والخلف، والأئمة في المراد بالأقراء على قولين. أحدهما أن المراد بها الأطهار. وهو مذهب مالك، والشافعي وكثير. والقول الثاني أن المراد بالأقراء، الحيض. وهو مذهب أبي حنيفة وأصح الروايتين عن الإمام أحمد، ومذهب كثيرين غيرهم. ويؤيد هذا ما رواه أبو داود، والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت حبيش:«دعي الصلاة أيام أقرائك». وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ من الولد، أو دم الحيض وذلك إذا أرادت فراق زوجها، فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع. ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها. أو كتمت حيضها فقالت وهي حائض قد طهرت، استعجالا للطلاق. فكل هذا محرم عليهن. إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. لأن من آمن بالله واليوم الآخر، لا يجترئ على ارتكاب الحرام.
ففي هذا تهديد لهن على خلاف الحق. ودل هذا، وما قبله على أن المرجع في هذا إليهن. لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتهنّ. ويتعذر إقامة البينة غالبا على ذلك. فرد الأمر إليهن. وتوعدن فيه لئلا يخبرن بغير الحق. وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ أي:
وأزواجهن أولى برجعتهن في مدة ذلك التربص. أي في العدة. دل هذا على أن الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء، حيث سماه زوجا بعد الطلاق. ودل على أن الرجل إن أراد الرجعة، وأبتها المرأة، وجب إيثار قوله على قولها. وكان هو أحق بها. ولا يفهم من النص أن لها حقا في الرجعة. فالرجعة حق خالص للرجل. إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً:
أي إن أراد الأزواج بالرجعة إصلاحا لما بينهم، وبينهن، وإحسانا إليهن، ولم يريدوا مضارتهن. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي: ويجب لهن من الحق على