إنك لتأمر بالأمر وتخالف إلى غيره، قال فقال:«أوقد قالوها- أي قائلوها- ولئن فعلت ما ذاك إلا علي وما عليهم من ذلك من شئ أرسلوا له جيرانه». وروى أيضا عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناسا من قومي في تهمة فحبسهم فجاء رجل من قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: يا محمد علام تحبس جيراني؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما تقول؟» فجعلت أعرض بينهما كلاما مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدها أبدا، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فهمها فقال:«قد قالوها- أو قائلها منهم؟ - والله لو فعلت لكان علي وما كان عليهم، خلوا عن جيرانهم». ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الإمام أحمد .. عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري قال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولون عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سمعتم الحديث عنى تعرفه قلوبكم، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم عنه» إسناده صحيح.
وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث:«إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك» ومعناه والله أعلم مهما بلغكم عني من خير فأنا أولاكم به، ومهما يكن من مكروه فأنا أبعدكم منه. وروى قتادة .. عن مسروق قال: جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت: تنهى عن الواصلة؟
قال: نعم، قالت: فعله بعض نسائك، فقال: ما حفظت وصية العبد الصالح إذا وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ وروى عثمان بن أبي شيبة ... عن أبي سليمان الضبي قال: كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها الأمر والنهي فيكتب في آخرها: وما كنت من ذلك إلا كما قال العبد الصالح وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
[نقول]
قال صاحب الظلال تعليقا على قصة شعيب عليه السلام:
(وهذا دور من أدوار الرسالة الواحدة بالعقيدة الخالدة، ينهض به شعيب في قومه أهل مدين .. ومع الدعوة إلى عقيدة التوحيد قضية أخرى، هي قضية الأمانة والعدالة في التعامل بين الناس، وهي وثيقة الصلة بالعقيدة في الله، والدينونة له وحده، واتباع شرعه وأمره. وإن كان أهل مدين قد تلقوها بدهشة بالغة، ولم يدركوا العلاقة بين المعاملات المالية والصلاة المعبرة عن الدينونة لله).