وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً قال النسفي: إنما قيل (فتثير) لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصورة الدالّة على القدرة الربانية فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ أي بالمطر الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي بعد يبسها. قال النسفي:(ولما كان سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بالمطر بعد
موتها من الدلائل على القدرة الباهرة قيل: فسقناه وأحييناه، معدولا بهما عن لفظ الغيبة، إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدلّه عليه) كَذلِكَ النُّشُورُ أي مثل إحياء الموات نشور الأموات. قال ابن كثير:(كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها، أنزل من تحت العرش مطرا يعمّ الأرض جميعا، وتنبت الأجساد في قبورها، كما تنبت الحبة في الأرض، ولهذا جاء في الصحيح «كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق، ومنه يركب».
[كلمة في السياق]
هذه الآية جسر بين ما قبلها وما بعدها، فهي تدلل على اليوم الآخر الذي قال الله عزّ وجل عنه إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ بين يدي الكلام عن إرادة العزة التي هي إحدى مزالق الشيطان وإحدى مظاهر الدنيا، ومن ثمّ اقتضى ذلك أن يسبقها الكلام عن حتمية مجئ اليوم الآخر، لأنّه وحده العلاج من أن تقع النفس فريسة غرر الدنيا، والشيطان، بسبب طلبها العزة. فالكلام عن العزة في هذا السياق كلام عن واحد مما يغري به الشيطان الإنسان، وعن مظهر من مظاهر الدنيا التي تصرف عن الآخرة.
*** مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً أي العزة كلها مختصة بالله، عزة الدنيا، وعزة الآخرة. قال ابن كثير: (أي من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعا). ثمّ عرّف تعالى أن ما يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح فقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ أي كلمات التوحيد، أي لا إله إلا الله. قال ابن كثير: يعني الذكر والدعاء وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أي العبادة الخالصة، أي أداء الفرائض والنوافل يَرْفَعُهُ أي يرفعه الله، وفي ضمائر (يرفعه) اختلاف