الحق المتمثل بكتاب الله وهدي الرسل. مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ: من بعد ما قامت الحجج عليهم على صدقه. بَغْياً بَيْنَهُمْ: هذا سبب خلافهم: حسدا بينهم، وظلما لحرصهم على الدنيا، وقلة إنصاف منهم. فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ أي: فهدى الله الذين آمنوا للحق الذي اختلف فيه من اختلف بإذنه وقال ابن جرير: (أي بعلمه بهم، وبما هداهم له). وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ: من خلقه. إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ: لا عوج فيه ظاهرا وباطنا، عقائد وعبادات، ومناهج حياة، شعائر وشرائع ومشاعر.
[فوائد]
١ - قال أبو العالية:(في هذه الآية: المخرج من الشبهات، والضلالات، والفتن). وذلك أن هذه الآية بينت أن سبب الاختلاف هو الحسد. فمن أراد الحق فعليه أن يتحرر من الحسد. ومن أراد الحق، فليحقق الإيمان في نفسه. فإن الله- عزّ وجل- يهدي أهل الإيمان إلى الحق في قضايا الاختلاف، رحمة بهم.
٢ - بمناسبة هذه الآية يروي عبد الرزاق حديثا يرويه أبو هريرة تفسيرا لقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ: قال عليه الصلاة والسلام: «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة. نحن أول الناس دخولا الجنة. بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا. وأوتيناه من بعدهم. فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه.
فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه. فهدانا الله له. فالناس لنا فيه تبع. فغدا لليهود، وبعد غد للنصارى». يفهم من الحديث أنه ما من قضية اختلف فيها الناس من أمر الدين، إلا وفي كتابنا بيان الحق فيها.
٣ - في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول:«اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك. إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم». وفي الدعاء المأثور:
«اللهم أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه. وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل. واجعلنا للمتقين إماما».
٤ - قال تعالى في الآية: وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ. يقول المفسرون: