هذه المجموعة جسر بين المجموعة التي قبلها والتي بعدها، وهي في الوقت نفسه تحدد معالم كبيرة في موضوع التقوى والعبادة، ومن ثم فهي في محلها تؤدي دورين: دورا في خدمة السياق الخاص، ودورا في خدمة السياق القرآني العام، فلنر كيف كان ذلك:
رأينا أن المجموعة السابقة بدأت في الإنكار على من ييأس من نصر الله في الدنيا والآخرة، ثم استقرت على توضيح كيف ينصر الله أولياءه في الآخرة ولم تحدثنا صراحة عن موضوع نصر الله أولياءه في الدنيا، وسنرى أن موضوع نصرة الله أولياءه في الدنيا سيأتي في المجموعة اللاحقة، إذ يحدثنا الله عزّ وجل عن دفاعه عن الذين آمنوا، وعن إذنه للمؤمنين بالقتال، وعن قدرته على نصرهم، وعن صفات الجماعة التي تستحق النصر، وعن وعده لها بالنصر، وفيما بين ذلك تأتي المجموعة التي مرت معنا فلماذا؟
إن المجموعة التي بين أيدينا تعطينا مبررات الإذن في القتال، فالذين كفروا يصدون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام الذي أقامه إبراهيم عليه السلام للتوحيد الخالص، فإذا بالمشركين يجعلونه للشرك، ويعطلون شعائر الله وشرائعه، ومن ثم فإنه عند ما يأتي الإذن بقتالهم، تكون المبررات أوضح، ومن ثم قلنا إن هذه المجموعة جسر بين ما قبلها وما بعدها.
والمجموعة بينت معالم في العبادة فذكرت: حج البيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام للطواف والقيام والركوع والسجود، وذكر الله وشكره على رزقه لهم بهيمة الأنعام، بالتضحية فيها هناك، والأكل منها، والإطعام منها، كما ذكرت عبادة الله في ترك بعض جوانب من التنعم، وقضاء ما على الإنسان من نذور، والطواف بالبيت، وتعظيم حرمات الله، والتوحيد، واجتناب الزور، والإخبات لله، والخوف منه، والصبر، والصلاة، والإنفاق وذكر اسم الله عند الذبح، وتعظيم الله، وغير ذلك، وهي كلها معان داخلة في التقوى، أو وسيلة إليها. وأبرزت الآيات معالم من التقوى، كما أبرزت أهمية التقوى ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كما أبرزت الآيات بعض ما يتنافى مع التقوى: الكفر والصد عن سبيل الله، والصد عن المسجد الحرام، والشرك، وقول الزور، وغير ذلك. فإذا عرفنا أن محور السورة هو قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وتأملنا في معاني