هذا المقطع أن المعاني الموجودة في هذه السورة هي وحي الله لرسوله محمد صلّى الله عليه وسلم ولكل رسول سابق، وقد عرّفنا الله عزّ وجل في هذا المقطع على ذاته وجلاله، وعظمته وبعض أسمائه، وعلى تسبيح الملائكة واستغفارهم لمن في الأرض، ورقابته على المشركين، وبذلك عرفنا بعض مضمون الرسالات السابقة، وعرفنا مهمّة الرسول صلّى الله عليه وسلم، وعرفنا حكمة الوحي. فاتصاف الله عزّ وجل بالعزة والحكمة يقتضي وحيا، وكونه مالك السموات والأرض وما فيهنّ يقتضي وحيا، وكونه العلي العظيم يقتضي وحيا، وكون الملائكة يسبّحون لمن في الأرض يقتضي وحيا، وكون الإنسان ينحرف فيشرك يقتضي وحيا وإنذارا، وهذا كله يقتضي وجود رسول يوحى إليه.
هذه المقدمة للسورة صلتها واضحة بالآيات الأولى من مقدمة سورة البقرة:
الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. حتى إنك لو ذكرت مقدمة سورة الشورى بعد هذه الآية لشعرت بالصلة الكاملة كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
. لاحظ تفسير ابن كثير لهذه الآية، قال:
(أي: كما أنزل إليك هذا القرآن كذلك أنزل الكتب والصحف على الأنبياء قبلك) إنك- من تفسير ابن كثير- تجد الربط الكامل بين مقدمة سورة البقرة وسورة الشورى، وهو موضوع ستراه بشكل واضح في السورة إن شاء الله.
فائدة: [كلام ابن كثير في وصف ظاهرة الوحي بمناسبة الآية (٣)]
بمناسبة قوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذكر ابن كثير بعض الروايات التي تصف ظاهرة الوحي قال: روى الإمام مالك رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت إن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يأتيني الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» قالت عائشة رضي الله عنها: فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه صلى الله عليه وسلم ليتفصّد عرقا.
أخرجاه في الصحيحين ولفظه للبخاري. وقد رواه الطبراني عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن الحارث بن هشام أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم كيف