ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وهاهنا قال تعالى مبيّنا الحكمة في إنزال الكتاب: إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ لكل الناس بِالْحَقِّ ثمّ بيّن أنّ نفع من اهتدى به عائد عليه، وضرر من ضلّ عنه عائد عليه، فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ولذلك صلته بقوله تعالى هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وإذا تقررت هذه المعاني،
تأتي الآن آية تبيّن كيف أنّ الكافرين قد أشركوا: أَمِ أي: بل اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ أي: آلهة تشفع لهم في زعمهم عند الله عزّ وجل والاستفهام للإنكار قُلْ يا محمد لهؤلاء الزاعمين ذلك أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً أي: أيشفعون ولو كانوا لا يملكون شيئا قط وَلا يَعْقِلُونَ أي: ولا عقل لهم
قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً أي: هو مالكها فلا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ هذا تقرير لكون الشفاعة لله جميعا، لأنّه إذا كان له الملك كله، والشفاعة من الملك، كان مالكا لها ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يوم القيامة، فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له، فله ملك الدنيا والآخرة أي: فيحكم بينكم بعدله، ويجزي كلا بعمله.
[كلمة في السياق]
ذكرت الآية الأولى أنّ الله عزّ وجل منزل الكتاب، وذكرت الآية الثانية أن الله عزّ وجل يتوفى الأنفس، ثم ذكرت الآية الثالثة موضوع اتخاذ المشركين آلهة مع الله لتشفع لهم- في زعمهم- عنده، فكأنّ السّياق يقول: إنه مع إنزال الكتاب، ومع كون أرواح الناس في قبضة الله فإنّ المشركين يشركون معه غيره مما لم ينزل به سلطانا ثم يأتي موقف آخر للكافرين وردّ عليه، فالمشرك لا يكتفي بأن يتخذ شريكا لله، بل إنّه يشمئز من ذكر اسم الله منفردا.
وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ أي: إذا أفرد الله بالذكر، ولم تذكر معه آلهتهم