والآيتان الأخيرتان فيه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ ... ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ فالمقطع يبدأ بالأمر بطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر من المسلمين في طاعة الله، وأن على كل المسلمين أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة حال التنازع، وفي المقطع حديث عمن يدعي الإيمان ويريد أن يتحاكم إلى الطاغوت، وإذا دعي إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى الكتاب والسنة أعرض فهؤلاء هم المنافقون. والمقطع يبين لنا أن الله- عزّ وجل- ما أرسل رسولا إلا ليطاع، فهؤلاء الذين يعصون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحققوا ما يقتضيه إرسال الرسل لهم، وقد بين المقطع أنه لا إيمان إلا بتحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في النزاع والتسليم لحكمه، وأن على المؤمن أن يطيع الله، ولو كان في ذلك ترك الأوطان، وقتل الأنفس، وأن عاقبة الطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم حميدة، ثم ذكرنا المقطع بأن الطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم تجعل صاحبها مع المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا يذكرنا بصلة المقطع بالمحور، وصلة المحور بمقدمة سورة البقرة، وصلة مقدمة سورة البقرة بسورة الفاتحة صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.
[المعنى العام للمقطع]
يأمر عزّ وجل بطاعة الله، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بطاعة كتابه، والأخذ بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما يأمر بطاعة أولي الأمر فيما يأمرون من طاعة الله، لا في معصيته.
وأولو الأمر في الأصل: العلماء والأمراء. ثم أمر تعالى أن يرد كل تنازع يقع بين الناس في أصول الدين، أو فروعه، أو في أي أمر إلى الكتاب والسنة. ثم بين أن علامة الإيمان بالله واليوم الآخر هو رد الخصومات إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاحتكام إليهما في كل شئ مما شجر فيه خلاف، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر، ثم بين أن التحاكم إلى كتاب الله، وسنة رسوله، والرجوع إليهما في فصل النزاع هو الخير والأحسن عاقبة ومآلا، والأحسن جزاء.
ثم يلفت الله نظر رسوله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين المتقين إلى من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله، وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعدلون عنهما، ويتحاكمون إلى ما سواهما من