٤ - روى محمد بن إسحاق عن رجل من بني عبد الأشهل كان قد شهد أحدا قال:
«شهدنا أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخي، رجعنا جريحين. فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي- أو قال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل. فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جراحا منه فكان إذا غلب حملته عقبة، ومشى عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون» اهـ. ففي مثل هذين نزل قوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ ....
٥ - بعد ما حدث في أحد، أصبح المسلمون في وضع حرج من عدة وجوه:
سقوط الهيبة العسكرية، احتمال كرة المشركين على المدينة، احتمال جرأة الأعراب والمنافقين واليهود عليهم، هبوط الروح المعنوية عندهم، فكان خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد لاحقا بالمشركين، وبقاؤه فيها ثلاثة أيام، وبلوغ هذا لأبي سفيان، وإلقاء الله الرعب في قلوب المشركين حتى رجعوا إلى مكة بما يشبه الفرار، غسلا لكل آثار أحد.
٦ - أخرج البخاري عن ابن عباس قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس: إن الناس قد
جمعوا لكم، فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل» اهـ.
وقال عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه «فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل» رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في حديث.
٧ - فسر الفضل في قوله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ بما مر، وهناك من فسر الفضل بربح تجاري أصابه المسلمون عقب رجوعهم من حمراء الأسد، ومنهم من حمل هذه الآية على غزوة بدر الصغرى إذ إن أبا سفيان واعد المسلمين بدرا من العام القادم يوم أحد، وحاول أن يرهب المسلمين بالإشاعات لعلهم لا يخرجون إلى بدر، فقال المسلمون: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وخرجوا إلى بدر، وتخلف المشركون، وابتاع المسلمون من سوقها، وكانت سوقا تجاريا، وربحوا فحمل بعضهم الآية على هذا. والآية يدخل فيها مثل هذا، أما أن يقال: بأن هذا سبب النزول، فإن السياق لا يدل عليه، بل يدل على ما ذكرناه أثناء التفسير.