للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصدّقوا رسل الله، ونصروهم، وأنفقوا في سبيل الله. ووعدهم كذلك مع الرعاية والنصرة- إن وفوا بهذا- أن يمحو عنهم ذنوبهم، ويسترها عليهم فلا يؤاخذهم بها، وأن يدخلهم جنّته، ثمّ هدّدهم أنّه من خالف هذا الميثاق من عقده وتوكيده وشدّه. فجحده وعامله معاملة من لا يعرفه فقد أخطأ الطريق الواضح، وعدل عن الهدى إلى الضّلال، ثمّ أخبر تعالى عما حلّ بهم من العقوبة عند مخالفتهم ميثاقه ونقضهم عهده، لقد أبعدهم عن الحق، وطردهم عن الهدى، وجعل قلوبهم قاسية لا تتعظ بموعظة حتى تأوّلوا كتابه، وحملوه على غير مراده، وقالوا عليه ما لم يقل، وتركوا العمل به رغبة عنه، ونسوا قسما منه فعطلوه، ثم أخبر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن حالهم الملازم لهم هو المكر والغدر والخيانة، وأنّه لا يزال يطّلع عليها منهم، وأمره مع هذا بالعفو عنهم والصفح إحسانا لأن الله يحب المحسنين، وهذا- والله أعلم- عند ما يكونون ذمّة للمسلمين، وأما في حالة كونهم أهل حرب فالحذر والحرب، وبعضهم قال إن الأمر بالصفح والعفو كان قبل الأمر بالقتال، وفي المعنى الحرفي بيان، وبعد أن بيّن الله- عزّ وجل- الميثاق الذي أخذه على اليهود، وعقوبتهم إذا خالفوه، بيّن عاقبة النصارى إذ نقضوا ميثاقه، فنسوا قسما مما ذكّروا به، فعاقبهم على ذلك في الدنيا، بإلقاء العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة، كل طائفة منهم تكفّر الأخرى، وعذاب في الآخرة أكبر إذ يحاسبهم على ما

ارتكبوا من الكذب عليه سبحانه وعلى رسله عليهم السلام، وما نسبوه إلى الربّ- عزّ وجل- وبعد أن بيّن الله- عاقبة نقض الميثاق، وجّه النّداء لأهل الكتاب في هذا السياق، مخبرا عن نفسه الكريمة أنه قد أرسل رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالهدى ودين الحق إلى جميع أهل الأرض، عربهم وعجمهم، أمّيّهم وكتابيّهم، وأنّه بعثه بالبيّنات، والفرق بين الحقّ والباطل، مبيّنا لهم ما بدّلوه وحرّفوه وأوّلوه وافتروا على الله، ويسكت عن كثير مما غيّروه مما لا فائدة في بيانه، ثمّ أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيّه الكريم، فوصفه بأنه نور وكتاب واضح، وأنّ الذي يتّبع رضوان الله يهتدي به إلى طريق النّجاة والسّلامة ومناهج الاستقامة، فينجّيهم من المهالك، ويوضّح لهم أين المسالك، ويصرف عنهم المحذور ويحصّل لهم أحب الأمور، وينفي عنهم الضّلالة ويرشدهم إلى أقوم حالة.

وبعد أن بيّن الله عاقبة نقض الميثاق، وبيّن لأهل الكتاب مهمّة من مهمّات رسوله،

<<  <  ج: ص:  >  >>