ثم أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أوامر: أن يعلن عن كونه لا يملك ولا يتصرف بخزائن الله، وأنه لا يعلم الغيب؛ لأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب، وأنه ليس إلا بشرا من البشر، وليس ملكا، وأنه عبد لله مطيع، لا يخرج عما أوحى الله إليه قيد شبر، ولا أدنى منه، ثمّ أمره أن يسأل هل يستوي من اتّبع الحق وهدي إليه، ومن ضلّ عنه فلم ينقد له، ومجئ هذا السؤال في هذا السياق يفيد أن العبودية لله هي الإبصار الحقيقي، وهي الهداية الكاملة، ثمّ هيّجهم الله للتفكر، إذ التّفكّر في هذا المقام يدلّهم على أنّ محمدا عبد الله ورسوله حقا وصدقا، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن ينذر بهذا القرآن من يخاف أن يحشر إلى الله يوم القيامة، حيث لا وليّ ولا شفيع لأحد من دون الله؛ إذ لا حاكم في ذلك اليوم إلا الله، فأمثال هؤلاء هم المرشحون للتقوى والعمل الصالح والإيمان، ثمّ نهى الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يطرد الذين يعبدون الله ويسألونه، وأمر ألا يبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات، بل أن يجعلهم جلساءه وأخصّاءه وحسابهم على الله، وهدّده أنّه إن طرد أمثال هؤلاء فإنّه والحالة هذه يكون ظالما، ثمّ بيّن حكمة اتّباع الرسل من الضعفاء وهي الابتلاء، والاختبار، والامتحان، لأهل الكبر، هل يتخلّون عن كبرهم، أو إنهّم يتكبرون على الضعفاء، وعلى الحق، ويستبعدون أن يمنّ الله على أمثال هؤلاء الضعفاء، والله- عزّ وجل- هو الأعلم بالشاكرين له، بأقوالهم، وأفعالهم، وضمائرهم؛ فيوفّقهم ويهديهم سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يكرم المؤمنين بردّ السلام عليهم وتبشيرهم برحمة الله الواسعة الشاملة، التي أوجبها على نفسه الكريمة تفضلا منه وإحسانا وامتنانا، وأن من رحمته أنّه يعامل من عصى ثم رجع عما كان عليه من المعاصي، وأقلع وعزم على ألّا يعود- وأصلح العمل في المستقبل- بالمغفرة والرّحمة. ثمّ بيّن تعالى أنّ تبيانه للحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد، وذم المجادلة والعناد، وتفصيله لما يحتاجه المخاطبون من بيان للآيات، كل ذلك من أجل أن تقوم الحجة، ومن أجل أن تظهر طريق المجرمين المخالفين للرّسل، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن أنه على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إليه، بينما هم قد كذّبوا بالحق الذي جاءه من عند الله، وأن يعلن لهم أن ما يستعجلون به من العذاب لا يملكه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ مرجع الأمر إلى الله، إن شاء عجّل لهم ما سألوه من العذاب، وإن شاء أنظرهم وأجّلهم، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة، وهو جلّ جلاله خير من فصّل، وخير من يفصل في الحكم بين عباده، ثم أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: لو كان