وفي هذا السياق يذكّر الله- عزّ وجل- أنّ مرجع الجميع إليه، ثمّ بين تعالى أنّ مثل المكذّبين بآيات الله في جهلهم، وقلة علمهم، وعدم فهمهم، كمثل أصمّ: وهو الذي لا يسمع، أبكم: وهو الذي لا يتكلم، وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق أو يخرج مما هو فيه؟ ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوجه سؤالا للكافرين فيه تقرير أن الله المتصرّف في خلقه بما يشاء، الذي لا معقّب لحكمه، ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه؛ بل هو وحده الإله لا شريك له، بدليل أنّه في حالة مجئ الساعة لا يدعون غيره؛ لعلمهم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه، فكيف يشركون به غيره؟! وفي هذا السياق يقرّر الله سنة من سننه، هي مظهر من مظاهر قهره، هذه السنّة هي أنّه كلّما أرسل إلى أمّة رسولا، فلم يستجيبوا له، يبتليهم بالفقر، وضيق العيش، والأمراض، والأسقام، والآلام، من أجل أن يرجعوا إلى الله، ويتضرعوا إليه ويخشعوا فإذا لم يتضرعوا ويرجعوا، وزادت قسوة قلوبهم، وأصرّوا على ما هم عليه من الشرك، والفساد، والمعاصي، وتمادوا بالإعراض، والغفلة، والتناسي، فعندئذ يفتح الله عليهم أبواب الجاه والرزق، وكل ما يختارون، وهذا استدراج منه وإملاء لهم- عياذا بالله من مكره- حتى إذا فرحوا بما أعطوا من الدنيا؛ عندئذ يأخذهم الله بغتة؛ فإذا هم آيسون من كل خير، وهذه السنّة مظهر من مظاهر قهر الله وحكمته وعلمه، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يسأل هؤلاء المكذّبين المعاندين أنّه لو سلبهم الله سمعهم، وأبصارهم، وختم على قلوبهم، فهل أحد غير الله يقدر على ردّ ذلك إليهم؟ لا شك أنّ الجواب: لا يقدر على ذلك أحد سواه، إلا إذا أراد إنسان أن يماحك، ثم لفت الله نظر رسوله صلّى الله عليه وسلّم إلى ما يبيّنه ويوضّحه ويفسّره، ثمّ هؤلاء الكافرون مع هذا يعرضون عن الحق، ويصدّون الناس عن اتباعه، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يسألهم أنّه في حالة مجئ العذاب مباغتا لهم أو ظاهرا يعاينونه، هل يهلك الله إلا الظالمين؟ وذلك لأنّ الرسل ما أرسلوا إلّا للتبشير والإنذار، فمن آمن وأصلح فإنه يستحق الأمن من الله لا العذاب، والذين يستحقون العذاب هم الفاسقون، ومن ثمّ فإن عذاب الله إذا جاء يصيبهم وحدهم.
وفي هذا السياق نعرف سنة من سننه- عزّ وجل- أنّ عذابه لا يصيب به من يقوم بشرعه وحقّه، وإنّما يصيب به من كفر بما جاءت به الرّسل، وخرجوا عن أوامر الله وطاعته، وارتكبوا مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته.