يوقفون على النار فإنهم يوقفون بين يدي الله ليسألهم أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون، عندئذ يقرون مقسمين بالله إنّه حق، ولكن أنى ينفعهم ذلك؟ فليس لهم إلّا العذاب يذوقون مسّه؛ بكفرهم بربهم وبالبعث وبالرّسل، وفي هذا السياق يقرّر الله خسارة من كذّب بلقائه، وخيبته إذا جاءته الساعة بغتة، ندامته على ما فرّط من العمل، وما أسلف من قبيح الفعل، حيث يقودهم عملهم إلى النار، ثم قرّر الله- عزّ وجل- حقيقة الحياة الدنيا، وأنهّا ليست إلا لهوا ولعبا.
وأنّ الدار الآخرة هي الدار، وهي الأحسن لأهل التقوى والإيمان، وفي هذا المقام يسلي الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيب قومه له، ومخالفتهم إياه، بتذكيره أن الله محيط علما بتكذيبهم، وبحزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتأسفه عليهم، مبيّنا لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أنّ تصديقهم مستمر له في الحقيقة، فهم لا يتهمونه بالكذب في نفس الأمر؛ ولكن الظالمين يعاندون الحق، ويدفعونه بصدورهم. ثمّ بيّن الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أنّه إن يكذّب فقد كذّبت رسل من قبله، وكان منهم الصبر على التكذيب والأذى، وكان لهم النصر في العاقبة، وتلك سنة الله، وقد عرّف الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بأخبارهم كيف نصروا، وأيدوا على من كذّبهم من قومهم، ليكون له فيهم أسوة، وبهم قدوة، ثمّ أدّب الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ليزداد صبرا، بأنّه إن شقّ عليه الإعراض فليأتهم بآية، بدخوله سربا في الأرض، أو بصعوده سلّما في السّماء، وما هو بفاعل إلا بإذن الله. فليصبر، ثمّ بيّن الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أنه لو شاء أن يهدي الناس لهداهم ولكن له حكمة في ذلك، فلا يتصوّر معها هداية الخلق جميعا إلا جاهل، ثمّ بيّن الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أنّ الذي يستجيب لدعوته هو من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه، أما موتى القلوب من الكفار، فلا سماع لهم، ولا استجابة منهم، وسيرون مغبّة أمرهم، إذ يبعثون ويرجعون إلى الله، وهكذا نرى من خلال ما مرّ عرضا لأحوال الكافرين، ومظاهر من قهر الله لهم في الآخرة، وهو المعنى الذي بدأ به المقطع. وكما قصّ الله علينا في المقطع الأول اقتراحا من اقتراحاتهم وردّ عليهم، ففي هذا المقطع يقصّ الله علينا كذلك اقتراحا من اقتراحاتهم المتعنّتة، إنّهم يطلبون آية أي: خارقا على مقتضى ما يريدون وما يتعنتون، وقد بيّن الله- عزّ وجل- أنه قادر على ذلك، ولكنّ حكمته تقتضي تأخير ذلك؛ لأنه لو أنزلها وفق ما طلبوا، ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة، كما فعل بالأمم السابقة، ثمّ قرّر جهل الأكثرين من بني الإنسان، ثمّ بيّن تعالى أنّ كلّ نوع من أنواع الحيوان إنّما هو أمّة من الأمم أليس هذا آية تدل على الله! بدليل أنّه لا ينسى أحدا منها من تدبيره ورزقه، فمن لم ير مثل هذه الآيات فأي آية تجعله يؤمن؟!