أقول: كلامه الأخير ينبغي تقييده بأن الحكم كذلك في الأحوال العادية لمريد سياحة، أو لمريد تجارة، وغلب على الظن الهلاك. أما إذا كانت هناك ضرورات عسكرية إسلامية أو غيرها من الضرورات، فالفتوى البصيرة هي التي تقدر الحكم.
٢ - في تعليق صاحب الظلال على قوله تعالى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يقول:
«نعم لو ألغى الإنسان عن عقله بلادة الألفة والغفلة، فاستقبل مشاهد الكون بحس متجدد، ونظرة مستطلعة، وقلب نوره بالإيمان. ولو سار في هذا الكون كالرائد الذي يهبط إليه أول مرة، تلفت عينه كل ومضة، وتلفت سمعه كل نأمة وتلفت حسه كل حركة، وتهز كيانه تلك الأعاجيب التي تتوالى على الأبصار والقلوب والمشاعر. إن هذا هو ما يصنعه الإيمان ... ». فيرى العقل في كل شيء آية.
ومن كلمات صاحب الظلال في الآية:
«وكلها مشاهد لو أعاد الإنسان تأملها- كما يوحي القرآن للقلب المؤمن- بعين مفتوحة وقلب واع، لارتجف كيانه من عظمة القدرة ورحمتها .. تلك الحياة التي تنبعث من الأرض حينما يجودها الماء .. هذه الحياة المجهولة الكنه، اللطيفة الجوهر، التي تدب في لطف، ثم تتبدى جاهرة معلنة قوية .. هذه الحياة من أين جاءت؟ كانت كامنة في الحبة والنواة ... ! ولكن من أين جاءت إلى الحبة والنواة؟ أصلها .. ؟ مصدرها الأول ... ؟. إنه لا يجدي الهرب من مواجهة هذا السؤال الذي يلح على الفطرة .. لقد حاول الملحدون تجاهل هذا السؤال الذي لا جواب عليه إلا وجود خالق قادر على إعطاء الحياة للموات. وحاولوا طويلا أن يوهموا الناس أنهم في طريقهم إلى إنشاء الحياة- بلا حاجة إلى إله- ثم أخيرا إذا هم في أرض الإلحاد الجاحد الكافر. ينتهون إلى نفض أيديهم أو الإقرار بما يكرهون: استحالة خلق الحياة: وأعلم علماء روسيا الكافرة في موضوع الحياة هو الذي يقول هذا الآن! ومن قبل، راغ دارون صاحب نظرية النشوء والارتقاء من مواجهة هذا السؤال. ثم تلك الرياح المتحولة من وجهة إلى وجهة، وذلك السحاب المحمول على هواء، المسخر بين السماء والأرض، الخاضع للناموس الذي أودعه الخالق هذا الوجود .. إنه لا يكفي أن تقول نظرية ما تقوله عن أسباب هبوب الريح، وعن طريقة تكون السحاب إن السر الأعمق، هو سر هذه الأسباب ..
سر خلق الكون بهذه الطبيعة وبهذه النسب، وبهذه الأوضاع التي تسمح بنشأة الحياة ونموها، وتوفير الأسباب الملائمة لها من رياح وسحاب ومطر وتربة .. سر هذه