إنما تكون لمزدلفة. فدل ذلك على أن الوقوف بمزدلفة من شعائر الحج. ونلاحظ أن في الفقرة تسلسلا في أفعال الحج. فقد رأينا أن في قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ما يشير إلى الإحرام الذي هو الركن الأول من أركان الحج. ويأتي بعد ذلك الوقوف بعرفات. وهو الركن الثاني من أركان الحج، ثم الإفاضة إلى المزدلفة، وهو النسك الذي يلي الوقوف بعرفات.
وقبل أن نشرح الآية شرحا حرفيا فلنقرأ هذه النقول:
قال علي بن أبي طالب:(بعث الله جبريل عليه السلام إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم فحج به حتى إذا أتى عرفة، قال: عرفت. وكان قد أتاها مرة قبل ذلك. فلذلك سميت عرفة). وقال عطاء:«إنما سميت عرفة، أن جبريل كان يري إبراهيم المناسك، فيقول: عرفت، عرفت. فسميت عرفات» .. وروي نحوه عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي مجلز.
وعرفة موضع الوقوف في الحج. وهي عمدة أفعال الحج. ولهذا روى الإمام أحمد وأصحاب السنن، بإسناد صحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الحج عرفات- ثلاثا- فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك. وأيام منى ثلاثة. فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه. ومن تأخر فلا إثم عليه». ووقت الوقوف من الزوال يوم عرفة، إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر. لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بعد أن صلى الظهر إلى أن غربت الشمس وقال:«لتأخذوا عني مناسككم». وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي رحمهم الله. وذهب الإمام أحمد إلى أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة، مستدلا بقوله عليه السلام:«من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع- وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا- فقد تم حجه، وقضى تفثه».
رواه الإمام أحمد وأهل السنن. وصححه الترمذي.
وأما المشعر الحرام، فإنه المزدلفة. قال ابن عمر:(المشعر الحرام: المزدلفة كلها) قال ابن كثير: (والمشاعر: هي المعالم الظاهرة. وإنما سميت المزدلفة: المشعر الحرام؛ لأنها داخل الحرم. وهل الوقوف بها ركن في الحج، لا يصح إلا به، كما ذهب إليه طائفة من السلف، وبعض أصحاب الشافعي؟ .. أو واجب كما هو أحد قولي الشافعي يجبر بدم؟ .. أو مستحب؛ لا يجب بتركه شئ كما هو القول الآخر في ذلك. ثلاثة أقوال للعلماء). اه.