كيدهم عليهم، وحاق مكرهم السيئ بهم. ثم بيّن الله- عزّ وجل- أنّ من سجيّتهم أنّهم دائما يسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب من هذه صفته، ولم يتضح في عصر من العصور صفة الإفساد لليهود كما اتضحت في عصرنا، ومن كان هذا شأنه، ومن كان الله ضدّه، ومن تكفّل الله بإبطال مخططاته، فإنّه حري أن يعادى لا أن يوالى، ومن خلال ذكر الإفساد في الأرض نتذكر الصلة بين هذا المقطع ومحور السورة. ثم بيّن تعالى أن أهل الكتاب لو اجتمع لهم الإيمان والتقوى لكفّر الله عنهم ذنوبهم، وأدخلهم الجنة، ولو أن أهل الكتاب عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء على ما هي عليه من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير لقادهم ذلك إلى اتّباع الحق، والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمدا صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه، لو أن أهل الكتاب اجتمع لهم هذا لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض مع تكفير السيئات ودخول الجنة، ولكن الواقع ليس كذلك فإنّ قسما منهم فقط، اجتمع له الاقتصاد في العمل ضمن هذه الحدود، وأما البقية فأعمالهم سيئة ونياتهم سيئة، وعلى الكفر والظلم والفسوق مقيمون، وبهذا ينتهي هذا المقطع الذي يعمّق قضية الولاء، التي أمر الله أن تكون هي الجامعة بين المؤمنين، وحرّم أن تكون بين أهل الإيمان وغيرهم، وقد بدأ المقطع في تحريم الولاء لليهود والنصارى. وختم المقطع بما ينفّر من كل معنى من معاني الولاء لليهود والنصارى، وإذا كان الأمر كذلك في اليهود والنصارى، وإذا كان هذا شأن هؤلاء فما بال الأبشع والأقبح أهل الإلحاد والشرك؟
وهكذا جاء النهي عن موالاة الكافرين بين تعليلين، تعليل سابق في المقطع الرابع، وتعليل لاحق في المقطع الخامس.
وجاء تحديد صفات حزب الله، التي من جملتها تحرير الولاء لله والرّسول والمؤمنين، بين نهيين عن موالاة الكافرين.
فاتضح بهذا القسم في مقطعيه ما ينبغي أن يوصل وما ينبغي أن يقطع.
إن الكافرين والمنافقين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وهو موالاة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين، ويصلون ما أمر الله به أن يقطع، وهو موالاة الشيطان وأهله، وبذلك استحقوا الإضلال: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.