للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقاليدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها وتقول: هذا حق منها وهذا باطل. لا التي تتلقى من الناس تصوراتها وقيمها وموازينها، وهي شهيدة على الناس، وفي مقام الحكم العدل بينهم .. وبينما هي تشهد على الناس هكذا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يشهد عليها. فيقرر لها موازينها وقيمها، ويحكم على أعمالها وتقاليدها ويزن ما يصدر عنها، ويقول فيه الكلمة الأخيرة ... وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها .. لتعرفها أو لتشعر بضخامتها، ولتقدر دورها حق قدره، وتستعد له استعدادا لائقا.

وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد. أو من الوسط بمعناه المادي الحسي أُمَّةً وَسَطاً.

في التصور والاعتقاد .. لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي. إنما تتبع الفطرة الممثلة في روح تلبس الجسد، أو جسد تتلبس به روح. ويعطي لهذا الكيان المزدوج الطاقات حقه المتكامل من كل زاد، وتعمل لترقية الحياة ورفعها، في الوقت الذي تعمل فيه على حفظ الحياة وامتدادها، وتطلق كل نشاط في عالم الأشواق وعالم النوازع، بلا تفريط ولا إفراط، في قصد واعتدال.

أُمَّةً وَسَطاً في التفكير والشعور .. لا تجمد على ما علمت وتغلق منافذ التجربة والمعرفة ... ولا تتبع كذلك كل ناعق، وتقلد تقليد القردة المضحك .. إنما تستمسك بما لديها من تصورات ومناهج وأصول، ثم تنظر في كل نتاج للفكر والتجريب.

وشعارها الدائم: الحقيقة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها في تثبت ويقين.

أُمَّةً وَسَطاً في التنظيم والتنسيق. لا تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر ولا تدعها كذلك للتشريع والتأديب. إنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب، وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب. وتزاوج بين هذه وتلك، فلا تكل الناس إلى سوط السلطان ولا تكلهم كذلك إلى وحي الوجدان .. ولكن مزاج من هذا وذاك.

أُمَّةً وَسَطاً .. في الارتباطات والعلاقات .. لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته، ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة، ولا تطلقه كذلك فردا أشرا جشعا لا هم له إلا ذاته .. إنما تطلق من الدوافع والطاقات ما يؤدي إلى الحركة والنماء، وتطلق من النوازع والخصائص ما يحقق شخصية الفرد وكيانه. ثم تضع من الكوابح ما يقف دون الغلو، ومن المنشطات ما يثير رغبة الفرد في الجماعة. وتقرر من التكاليف والواجبات ما يجعل الفرد خادما للجماعة. والجماعة كافلة للفرد في تناسق واتساق ..

<<  <  ج: ص:  >  >>