للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمَّةً وَسَطاً في المكان .. في سرة الأرض، وفي أوسط بقاعها. وما تزال هذه الأمة التي غمر أرضها الإسلام إلى هذه اللحظة هي الأمة التي تتوسط أقطار الأرض بين شرق وغرب، وجنوب وشمال. وما تزال بموقعها هذا تشهد الناس جميعا. وتشهد على الناس جميعا. وتعطي ما عندها لأهل الأرض قاطبة، وعن طريقها تعبر ثمار الطبيعة وثمار الروح والفكر من هنا إلى هناك، وتتحكم في هذه الحركة ماديها ومعنويها على السواء.

أُمَّةً وَسَطاً في الزمان .. تنهي عهد طفولة البشرية قبلها. وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها. وتقف في الوسط تنفض عن البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات من عهد طفولتها، وتصدها عن الفتنة بالعقل والهدى، وتزاوج بين تراثها الروحي من عهود الرسالات، ورصيدها العقلي المستمر في النماء، وتسير بها على الصراط السوي بين هذا وذاك.

وما يعوق هذه الأمة اليوم عن أن تأخذ مكانها هذا الذي وهبه الله لها، إلا أنها تخلت عن منهج الله الذي اختاره لها. واتخذت لها مناهج مختلفة ليست هي التي اختارها الله لها، واصطبغت بصبغات شتى ليست صبغة الله واحدة منها. والله يريد لها أن تصطبغ بصبغته وحده.

وأمة تلك وظيفتها، وذلك دورها خليقة بأن تتحمل التبعة وتبذل التضحية، فللقيادة تكاليفها، وللقوامة تبعاتها. ولا بد أن تفتن قبل كل ذلك، وتبتلى ليتأكد خلوصها لله وتجردها، واستعدادها للطاعة المطلقة للقيادة الرشيدة.

٢ - ومن كلام صاحب الظلال في تبيان الحكمة في اتخاذ القبلة وتمييز قبلة المسلمين عن غيرهم يقول: إن الاختصاص والتميز ضروريان للجماعة المسلمة: الاختصاص

والتميز في التصور والاعتقاد. والاختصاص والتميز في القبلة والعبادة. وهذه كتلك لا بد من التميز فيها والاختصاص. وقد يكون الأمر واضحا فيما يختص بالتصور والاعتقاد، ولكنه بهذه الدرجة من الوضوح فيما يختص بالقبلة وشعائر العبادة .. هنا نعرض التفاتة.

إلى قيمة أشكال العبادة ..

إن في النفس الإنسانية ميلا فطريا ناشئا من تكوين الإنسان ذاته من جسد ظاهر وروح مغيب، إلى اتخاذ أشكال ظاهرة للتعبير عن المشاعر المضمرة. فهذه المشاعر المضمرة لا تهدأ ولا تستقر حتى تتخذ لها شكلا ظاهرا تدركه الحواس، وبذلك يتم

<<  <  ج: ص:  >  >>