وواضح أنه بنهاية هذا المقطع، ينتهي القسم الأول من السورة، لأنه يأتي بعد ذلك كلام عن زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، فنحن بذلك الكلام أمام قسم جديد، وكأن القسم الأول؛ مقدمة له بل هو مقدمة للسورة كلها، بدليل ما سنراه من ارتباط أقسام السورة كلها، بهذا القسم وختم السورة بمعان مرتبطة به.
وفيما بين قوله تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ... وقوله تعالى: قُلْ: إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ. يأتي قوله تعالى:
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وذلك لأن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين أثر عن الحرص على الحياة والرزق، فأعلن الله أن الحياة والرزق بيده، ولأن النفاق شئ قلبي، حذر الله أنه يعلم خفايا الأنفس، وهكذا جاء النهي بين تذكيرين، ومن هنا نعلم الحكمة في وجود هذا النهي في محله.
إنه لم يأت مباشرة بعد الفقرة الأولى والثانية اللتين تحدثتا عن الإسلام والكفر، إنه لم يأت بعد ذلك مباشرة، بل جاء متأخرا بعد درس من التعريف على الله، ليأخذ محله في مشاعر المسلمين وقلوبهم وضمائرهم.
قلنا من قبل: إن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة، وامتدادات معاني هذه المقدمة.
فلنلاحظ الآن ما يلي: في مقدمة سورة البقرة ورد قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.
ومن امتدادات هذا النص في سورة البقرة ما رأيناه من دعوة لبني إسرائيل فيها:
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ. وقد رفض بنو إسرائيل الدعوة إلا من رحم الله وجاء في سورة البقرة أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا وفي ذلك السياق جاء قوله تعالى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا .... ثم جاءت الآية اللاحقة: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ... كل ذلك جاء في سورة البقرة وهو امتداد لبعض ما جاء