٢ - وفي شرح سنة الله بالإملاء للظالمين يقول صاحب الظلال عند قوله تعالى:
ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا: قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أي حتى كثروا وانتشروا، واستسهلوا العيش، واستيسروا الحياة: ولم يعودوا يجدون في أنفسهم تحرجا من شئ يعملونه، ولا تخوفا من أمر يصنعونه ..
والتعبير:«عفوا» - إلى جانب دلالته على الكثرة- يوحي بحالة نفسية خاصة. حالة قلة المبالاة. حالة الاستخفاف والاستهتار. حالة استسهال كل أمر، واتباع عفو الخاطر في الشعور والسلوك سواء .. وهي حالة مشاهدة في أهل الرخاء واليسار والنعمة حين يطول بهم العهد في اليسار والنعمة والرخاء- أفرادا وأمما- كأن حساسية نفوسهم قد ترهلت فلم تعد تحفل شيئا، أو تحسب حسابا لشئ. فهم ينفقون في يسر ويلتذون في يسر، ويلهون في يسر، ويبطشون كذلك في استهتار. ويقترفون كل كبيرة تقشعر لها الأبدان ويرتعش لها الوجدان في يسر واطمئنان. وهم لا يتقون غضب الله ولا لوم الناس، فكل شئ يصدر منهم عفوا بلا تحرج ولا مبالاة، وهم لا يفطنون لسنة الله في الكون، ولا يتدبرون اختباراته وابتلاءاته للناس. ومن ثم يحسبونها تمضي هكذا جزافا، بلا سبب معلوم، وبلا قصد مرسوم: وَقالُوا: قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ..
وقد أخذنا دورنا في الضراء وجاء دورنا في السراء. وها هي ذي ماضية بلا عاقبة، فهي تمضي هكذا خبط عشواء.
عندئذ .. وفي ساعة الغفلة السادرة، وثمرة للنسيان واللهو والطغيان، تجئ العاقبة وفق السنة الجارية. فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.
جزاء بما نسوا واغتروا وبعدوا عن الله وأطلقوا لشهواتهم العنان فما عادوا يتحرجون من فعل، وما عادت التقوى تخطر لهم ببال.
هكذا تمضي سنة الله أبدا. وفق مشيئته في عباده. وهكذا تحرك التاريخ الإنساني بإرادة الإنسان وعمله- في إطار سنة الله ومشيئته وها هو ذا القرآن الكريم يكشف للناس عن السنة، ويحذرهم الفتنة ... فتنة الاختبار والابتلاء بالضراء والسراء .. وينبه فيهم دواعي الحرص واليقظة، واتقاء العاقبة التي لا تتخلف، جزاء وفاقا على اتجاههم وكسبهم. فمن لم يتيقظ ومن لم يتحرج، ومن لم يتق، فهو الذي يظلم نفسه ويعرضها