أنزل وحيا، وعلينا أن نعرف على الله، وعلى أن الإنسان مسئول أمامه، وفي عملية التعريف على الله نذكر أن كل شئ بعلمه وإرادته وقدرته، وفي عملية التعريف على مسئولية الإنسان نثبت أن الإنسان مكلف مختار، ونبرهن على أن اختيار الإنسان لا يتنافى مع إحاطة العلم والإرادة والقدرة، لأن القدرة تعمل على وفق الإرادة، والإرادة تعمل على وفق العلم، والعلم كاشف لا مجبر، عند هذا الحد يقف الكلام، فلو جادلنا مجادل فقال: لم أراد الله ما أراد؟ نقول: الحكمة معروفة وموجودة، ولكن ما بعد ذلك لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ إن معرفة هذا الموضوع من أهم ما ينبغي أن يعرفه المسلم، ومن أعظم ما ينبغي أن يتذكره الإنسان في سيره العقلي إلى الله: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ
لم خلق الله الشر؟ لم خلق الألم في هذه الدنيا؟ الجواب: لكل ذلك حكمة يمكن البحث عنها، ولكن في النهاية لا بد أن يكون واضحا أن أحدا ليس من حقه أن يسأل الله فالله هو الرب، وهو الذي من حقه أن يسأل، إن التسليم لله تعالى هو غاية العقل، وهو غاية الحكمة أما أنه هو غاية العقل فلأن بداهة الفطرة تقول: إن الله وحده له العلم المحيط، والحكمة البالغة؛ ومن ثم فلا يحيط بأسرار فعله إلا هو، فغاية العقل أن يعرف حدوده بالتسليم لله، وأما أن التسليم لله غاية الحكمة، فلأن الاعتراض دأب الجاهلين، ولم يكن جاهل في يوم ما حكيما، إن الإنسان مقامه العبودية لله، والمسئولية أمامه، فإذا قلب الإنسان الآية فإنه يكون من الجاهلين بجلال الله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ
٤ - نلاحظ أنه قد ذكر موضوع اتخاذهم الآلهة مرتين في هذه المجموعة: الأولى أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ والثانية أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً.
فما حكمة ذلك؟
يلاحظ أنه قيدت الإلهية المتخذة في الآية الأولى بالأرض، بينما لم تقيد في الآية الثانية، فكأن الآية الثانية تتحدث عن اتخاذهم آلهة من الأرض وغيرها، وللنسفي تعليل آخر قال:(الإعادة لزيادة الإفادة، فالأول للإنكار من حيث العقل، والثاني من حيث النقل، أي وصفتم الله تعالى بأن يكون له شريك، فقيل لمحمد: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي هذا نقلي وذاك عقلي اهـ) عن النسفي بتصرف.
٥ - فسرنا قوله تعالى: هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي أن المراد بذكر