الإدراك الإنساني القاصر الذي لا يعرف العلل والأسباب والغايات، وهو محصور في حيزه المحدود.
إن الذي يعلم كل شئ، ويدبر كل شئ، ويسيطر على كل شئ، هو الذي يقدر ويدبر ويحكم. لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ
وبمناسبة الآية نفسها قال الألوسي:
(وهذا الحكم في حقه تعالى عام لجميع أفعاله سبحانه ويندرج فيه خلق الكفرة وإيجادهم، ووجه حل السؤال الناشئ مما تقدم بناء على ما يشير إليه هذا الجواب الإجمالي أنه تعالى خلق الكفرة- بل جميع المكلفين- على حسب ما علمهم عليه في أنفسهم لأن الخلق مسبوق بالإرادة والإرادة مسبوقة بالعلم، والعلم تابع للمعلوم، فيتعلق به على ما هو عليه في ثبوته الغير المجعول، بما يقتضيه استعداده الأزلي، وقد يشير إلى بعض ذلك قول الشافعي عليه الرحمة من أبيات:
خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن
ثم بعد أن خلقهم على حسب ذلك كلفهم لاستخراج ما سبق به العلم التابع للمعلوم من الطوع والإباء اللذين في استعدادهم الأزلي وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين لتتحرك الدواعي، ويهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، ولا يكون للناس على الله تعالى حجة فلا يتوجه على الله تعالى اعتراض بخلق الكافر، وإنما يتوجه الاعتراض على الكافر بكفره، حيث إنه من توابع استعداده في ثبوته الغير المجعول، وقد يشير إلى ذلك قوله سبحانه وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وقوله عليه الصلاة والسلام «فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» وهذا وإن كان مما فيه قيل وقال ونزاع وجدال إلا أنه مما ارتضاه كثير من المحققين والأجلة العارفين. (أقول: علم الله أزلا وأراد أزلا فذكر السبق للإفهام وللإلزام)
وأقول: إن قوله تعالى: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ لا ينفي البحث عن الحكمة في تشريعه وأفعاله، إن المنهي عنه السؤال للاعتراض، قال الألوسي ناقلا عن ابن القيم رحمه الله، في موضوع وجود الحكمة في أفعاله وتشريعه: (وقال العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي الحنبلي المعروف بابن القيم في كتاب شفاء العليل: إن الله سبحانه وتعالى حكيم لا يفعل شيئا عبثا ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة، بل أفعاله