كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة: ٢٠٨، ٢٠٩).
ولنتساءل ما الذي دلنا على أن هاتين الآيتين هما محور السورة؟
نلاحظ أن الآية الأولى في السورة هي:
سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
كما نلاحظ أن الآية (٣٤) كانت وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ كما نلاحظ أن الآية (٤٦) كانت: لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ
وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
فذكر البينات والمبينات في هذه الآيات، وكون السورة تفصل أحكاما من الإسلام، وورود النهي عن اتباع خطوات الشيطان فيها، كل ذلك دلنا على أن هاتين الآيتين هما محور سورة النور.
ونلاحظ أن السورة تتردد فيها كلمة الآيات كثيرا: وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨). كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨).
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩). كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١). لاحظ صلة هذه الخواتيم للآيات بقوله تعالى:
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
إن هذه السورة نموذج على الآيات البينات التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ثم تجد فيها روائع التشريع وروائع الأسلوب، وروائع الانتقال، وذرى البلاغة، والقرآن كله كذلك، ولكن هذه الأمور في هذه السورة تكاد تكون أظهر، إن في هذه السورة من التصوير أروعه، ومن التمثيل أروعه، ومن التشريع أروعه، ومن الإنذار أروعه، ومن التبشير أروعه، ومن التأديب أروعه، ومن ثم فإن من فهم هذه السورة وعرف أسرارها أدرك من أسرار البيان القرآني وأسرار الإعجاز ما به تشرق أنوار اليقين على قلبه فتغمره.
إنك تجد فيها مقاطع كل مقطع له نكهة خاصة، وله بداية ونهاية خاصتان، وفي كل مقطع جمال وجلال وأسرار، إنها سورة اجتمع فيها من الأناقة والرشاقة في اللفظ والموضوع والتسلسل والتوجيه ما هو النموذج لإدراك أن هذا القرآن آيات بينات.