وبينما يعرض الله- عزّ وجل- علينا نموذج ناس هذا شأنهم في موقفهم من الكتاب يختم المقطع بعرضه نموذجا ممّن يهديهم الله بهذا القرآن وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ... لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى في المحور فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ.
فالمقطع يفصّل في الفسوق الذي يستحق أصحابه الإضلال، وما يقابله مما ينال به أهله الهداية، مما هو تفصيل لمحور السورة من سورة البقرة، ولكنه تفصيل ليس على طريقة البشر، ولا يستطيعه البشر، وهذا كله ضمن السياق الخاص للسورة وبهذا ينتهي المقطع الأول من القسم الثاني ليبدأ المقطع الثاني من هذا القسم الذي يتوجّه فيه الخطاب لأهل الإيمان، فإذا كان البلاغ لا يؤثر في بعض الناس فإن أهل الإيمان موجودون ومن ثم يتوجه الخطاب إليهم فيتكرّر في المقطع الثاني من القسم النّداء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... * مرات:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
وسنرى أنّ كل نداء من هذه النداءات يحرّر المسلم من خلق يستحق به صاحبه الإضلال؛ لأن الوقوع فيه فسوق، وسنرى أن هذا القسم بمقطعيه هو تفصيل لما مرّ معنا من قبل في السورة، ممّا يؤكد وحدة سياق السّورة، كما يؤكد ارتباطها بمحورها من سورة البقرة. ولنبدأ عرض المعنى العام للمقطع الأول من القسم الثالث للسورة وهو المقطع السادس فيها إذا اعتبرنا أن الوحدة العددية للسورة هى المقطع.