وسورة الفتح بيّنت أن معارك المسلمين منصورة، وسورة الحجرات بيّنت أدب السير، وأدب الجماعة المسلمة في حركتها نحو الهدف، وستأتي سورة (قاف) لتعظ وتذكّر باليوم الآخر، فذلك هو الهدف؛ وذلك هو الذي يضبط المسار.
ولأن سورة الحجرات مع سورة الفتح في مجموعة واحدة فإنّ محورها من سورة البقرة يأتي بعد محورها عادة، أو يكون المحور متحدا، وبالتّأمّل لسورة الحجرات
وسورة براءة ندرك أن بينهما صلة: لقد ختمت سورة براءة بقوله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (الآية: ١٢٨) وهذه سورة الحجرات تقول: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ولقد جاء في سورة براءة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (الآية: ١١٩) وجاء في سورة الحجرات تفسير للصادقين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وجاء في سورة براءة قوله تعالى: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً ... (الآية: ٩٧) وورد في سورة الحجرات قوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ....
ومن قبل قلنا إن سورة الأنفال وبراءة لهما حكم السورة الواحدة ذات المحور الواحد، وقد بدأت سورة الأنفال بقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ .. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وقد جاء في سورة الحجرات قوله تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ.
هذه الصلات بين سورة الحجرات وبين سورتي الأنفال وبراءة ترشح أن يكون محور سورة الحجرات هو محور سورتي الأنفال وبراءة، وعلى هذا فإن محور سورة الحجرات هو الآيات الثلاث: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ