وأعطت في كل آية من آياتها دروسا لا تنتهي، ومن دروسها العامة ما قاله النسفي:
قال أبو منصور رحمه الله: في ذكر قصة يوسف عليه السلام وإخوته تصبير لرسول لله صلى الله عليه وسلم على أذى قريش كأنه يقول: إن إخوة يوسف مع موافقتهم إياه في الدين ومع الأخوة عملوا بيوسف ما عملوا من الكيد والمكر، وصبر على ذلك، فأنت مع مخالفتهم إياك في الدين أحرى أن تصبر على أذاهم، ومن دروسها: أن على
أهل الإيمان أن يثقوا بحسن العاقبة.
وبمناسبة قوله تعالى حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ...
قال صاحب الظلال:
تلك سنة الله في الدعوات لا بد من الشدائد ولا بد من الكروب حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة. ثم يجئ النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس. يجئ النصر من عند الله فينجو الذين يستحقون النجاة ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون ويحل بأس الله بالمجرمين، مدمرا ماحقا لا يقفون له ولا يصده عنهم ولي ولا نصير.
ذلك كيلا يكون النصر رخيصا فتكون الدعوات هزلا. فلو كان النصر رخيصا لقام في كل يوم دعي بدعوة لا تكلفه شيئا أو تكلفه القليل. ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثا ولا لعبا فإنما هي قواعد للحياة البشرية ومناهج ينبغي صيانتها وحراستها من الأدعياء. والأدعياء لا يحتملون تكاليف الدعوة لذلك يشفقون أن يدعوها فإذا ادعوها عجزوا عن حملها وطروحها وتبين الحق من الباطل على محك الشدائد التي لا يصمد لها إلا الواثقون الصادقون الذين لا يتخلون عن دعوة الله ولو ظنوا أن النصر لا يجيئهم في هذه الحياة!
إن الدعوة إلى الله ليست تجارة قصيرة الأجل إما أن تربح ربحا معينا محدودا في هذه الأرض وإما أن يتخلى عنها أصحابها إلى تجارة أخرى أقرب ربحا وأيسر حصيلة، والذي ينهض بالدعوة إلى الله في المجتمعات الجاهلية- والمجتمعات الجاهلية هي التي تدين لغير الله بالطاعة والاتباع في أي زمان أو مكان- يجب أن يوطن نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل، إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال، ويملكون استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود، ويملكون تأليب هذه الجماهير ذاتها على الدعوة إلى الله، باستثارة شهواتها وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات! .. ويجب أن