للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق؛ لأنه لا خير فيهم. ولذلك فلم يرزقهم بفهم لأنه تعالى يعلم منهم أنه لو أسمعهم وأفهمهم لتولوا عن الحق قصدا وعنادا. وهذا التوجيه الثاني في هذا المقطع له أهميته الخاصة في موضوع الجهاد والقتال، فقتال المسلمين إنما هو طاعة لله ورسوله. فإذا لم يكن المسلم مطيعا لله ورسوله لم يعد للقتال صفته الإسلامية، والانضباط والطاعة في القتال شرطان رئيسيان لدخول معركة منتصرة، كما رأينا ذلك في عبرة أحد من سورة آل عمران، وهذا شئ يجمع عليه كل عسكريي العالم، فلا جيش ولا قتال إلا بطاعة وانضباط، ومن ثم ركز الله في هذا التوجيه على الطاعة له ولرسوله، وصور الذين لا يسمعون بأنهم شر دواب الأرض، ولم يذكر هنا إلا طاعة الله ورسوله، مع أن طاعة الأمير المسلم في كل قتال ضرورية، لأن المهم هو طاعة الله ورسوله من قبل الجميع، وطاعة المسلمين لأمرائهم جزء من طاعة الله والرسول، عند ما يكون الجميع مطيعين لله والرسول. في التوجيه الأول طالب بالثبات، وفي التوجيه الثاني طالب بالطاعة، وكلاهما ضروري للقتال، ثم يجئ التوجيه الثالث في هذا المقطع، وفيه الأمر للمؤمنين بالاستجابة لله والرسول، لأن الاستجابة لله والرسول فيها حياة هذه الأمة، ومما دعانا إليه الله والرسول وفيه حياتنا: الإسلام والقتال. فلا حياة إلا بإسلام، ولا حياة للإسلام والمسلمين إلا بقتال. ثم أمرهم أن يعلموا أن القلوب بيد الله. وأن المرجع إليه فليحذروا أن يتركوا الاستجابة لله والرسول؛ حذرا من أن يفتنوا؛ وخشية أن يصيبهم العذاب يوم القيامة، ثم يحذر الله عزّ وجل المؤمنين جميعا أن ينزل بهم فتنة أي: اختبارا ومحنة، يعم بها المسئ وغيره، لا يخص بها أهل المعاصي، ولا من باشر الذنب بل يعمهما حيث لم تدفع المعاصي ولم ترفع. وأمرهم أن يعلموا أن الله شديد العقاب.

وهذه المعاني في هذا السياق يفهم منها أنه لا بد من تطبيق الإسلام كله بالاستجابة لله ورسوله، ولا بد من قتال، وإذ لا يكون استجابة ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، ولا قتال من أجل الإسلام فإن المسلمين جميعا معرضون لكارثة، ثم يأمر الله عزّ وجل عباده المؤمنين أن يتذكروا نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، حيث كانوا قليلين فكثرهم، ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات.

وطالبهم بالشكر فأطاعوه، وامتثلوا جميع ما أمرهم؛ فكافأهم، ومجئ هذه الآية فيه تذكير لهذه الأمة بأن طريقها هو الاستجابة لله والرسول، ففيه القوة، وفيه الرزق والرفاه، فإذا فكرت هذه الأمة في غير هذا فقد انحرفت وهذا حال الناس اليوم، وفي هذا التوجيه ما يشعر بضرورة التجاوب السريع مع الأمر القتالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>