عليه، وبيان سنة الله في حالة اقتراح الآيات من قبل الناس، وكيف أنّه إن استجاب للاقتراح. ثمّ كفر أحد ممّن شاهد الآية يستحق عذابا شديدا. وهل أنزل الله المائدة، أو لم ينزلها؟ قولان للمفسرين: ففي الأسانيد الصحيحة إلى الحسن ومجاهد ما يفيد أن الحواريين بعد أن عرفوا ما يترتب على النّزول قالوا: لا حاجة لنا، فلم تنزل. وسيأتي تفصيل ذلك. وهل هذا التذكير لعيسى بنعم الله عليه بعد إصعاده إلى السماء، أو يوم القيامة. قولان للمفسرين، والسّياق يفيد الثاني:
وبعد إذ يأمر الله عيسى يوم القيامة أن يتذكّر نعمه عليه، ويعدّدها له، يخاطب عبده ورسوله عيسى قائلا له بحضرة من اتّخذه وأمّه إلهين من دون الله، هل كان ذلك بأمره؟
وفي هذا تهديد، وتوبيخ، وتقريع للنّصارى، في الدنيا والآخرة، فيجيب عيسى بكمال الأدب منزّها الله، معلنا أنه لم يكن له أن يقول مثل هذا الكلام قائلا لله- عزّ وجل- إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب، فإنه لا يخفى عليك شئ مما قلته، لا أردته في نفسي، ولا أضمرته.
ثمّ ذكر أنّه ما دعاهم إلّا إلى الذي أرسله الله به، وأمره أن يبلّغه، وهو عبادة الله، وأنه كان يشهد على أعمالهم ما دام فيهم وبين أظهرهم، فلمّا رفعه الله- عزّ وجل- لم يعد إلا الله رقيبا عليهم، وهو وحده الشهيد على كل شئ، ثمّ ردّ المشيئة إلى الله في أمر تعذيبه إياهم، أو مغفرته لهم. وفي ردّه المشيئة لله في هذا المقام تبرّ من النّصارى الذين كذبوا على الله ورسوله عيسى، وجعلوا لله ندا وصاحبة وولدا. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وعندئذ يقول الله تعالى مجيبا لعبده ورسوله عيسى بن مريم فيما أنهاه إليه من التبري من النّصارى الملحدين الكاذبين على الله ورسوله، ومن ردّ المشيئة فيهم إلى ربه عزّ وجل: مبيّنا جلّ جلاله أن يوم القيامة هو اليوم الذي ينفع الموحدين توحيدهم، فهم وحدهم الذين يدخلهم جنته ماكثين فيها أبدا، لا يحولون ولا يزولون، ولهم من الله الرضى، وأي فوز أكبر وأعظم من هذا؟. ثم يختم الله- عزّ وجل- السورة بتبيان أن الله هو الخالق للأشياء، المالك لها، المتصرّف فيها، القادر عليها، فالجميع ملكه، وتحت قهره، وقدرته وفي مشيئته، فلا نظير، ولا وزير، ولا عديل، ولا والد، ولا ولد، ولا صاحبة، ولا إله غيره، ولا رب سواه.
وفي انتهاء سورة المائدة بهذه الخاتمة التي هي تسجيل لموقف من مواقف يوم القيامة