وتأتي خاتمة سورة المائدة لتقرّر أن دعوة عيسى عليه السلام هي الدعوة المحمدية نفسها: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ. فبعد أن تمّ التفصيل للطريقين في سورة النساء، وسورة المائدة، تأتي خاتمة سورة المائدة لتقرّر أن ما دعا إليه القرآن الناس جميعا، من عبادة الله وحده، هو لباب دعوة كل رسول، ومنهم عيسى عليه الصلاة والسلام.
وتأتي خاتمة سورة المائدة وفيها تقرير لحقيقة عيسى عليه السلام، ودعوته بين يدي سورة الأنعام التي تناقش الكافرين بكفرهم وتقيم عليهم الحجة. فكأنّ هذه الخاتمة هي الربط ما بين سورتي المائدة والنساء، وبين سورة الأنعام، وهي السور الثلاث التي تفصّل مقطعا كاملا من سورة البقرة.
- وفي الخاتمة نموذج على ناس نقضوا العهد في شأن عيسى، ونموذج على ناس وصلوا ما أمر الله به أن يوصل وهم الحواريون. وفي المقطع نموذج على صلاح المصلحين في الأرض، وفيها إعلام بما ينجي عند الله وهو الصدق، وإعلان أن المالكية لله- عزّ وجل- وهو الإعلان الذي رأيناه في أواخر سورة البقرة، وأواخر سورة
آل عمران، وهو الذي ينبغي أن يقرّ به الإنسان ليكون ممن يعبد الله وحده.
ولئن كان من خلال هذا المشهد من مشاهد يوم القيامة يتقرر: قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فإن ذلك درس لمن يكتم شهادة الله في الدنيا، ويخون الأمانة. وصلة ذلك بالفقرة السابقة على الخاتمة واضحة، إذ هي في أداء الشهادة والأمانة.
وأن تختم السورة التي تربي على الوفاء بالعهود، ووصل ما أمر الله به أن يوصل، والإصلاح في الأرض بهذه الخاتمة التي ترينا هول المقام يوم القيامة، وشدة التدقيق حتى مع الرسل عليهم الصلاة والسلام، فذلك واضح الدلالة على أن ما طولبتم به أيها الناس، أنتم محاسبون عليه فخذوا الأمر بمنتهى القوة.
وهكذا نجد أنّ خاتمة السورة في محلّها، تؤدي أكثر من خدمة للسياق، فهي تربي على معانيها، وتكمّل معاني قسمها، وتضع الأمور في مواضعها بالنسبة لقضايا تعرّض