عنده. ومبارك في محله الذي علم الله أنه له أهل .. قلب محمد الطاهر الكريم الكبير ..
ومبارك في حجمه ومحتواه. فإن هو إلا صفحات قلائل بالنسبة لضخام الكتب التي يكتبها البشر، ولكنه يحوي من المدلولات والإيحاءات والمؤثرات والتوجيهات في كل فقرة منه ما لا تحتويه عشرات من هذه الكتب الضخام، في أضعاف حيزه وحجمه! وإن الذي مارس فن القول عند نفسه وعند غيره من بني البشر؛ وعالج قضية التعبير، بالألفاظ عن المدلولات، ليدرك أكثر مما يدرك الذين يزاولون فنّ القول ولا يعالجون قضايا التعبير، أنّ هذا النّسق القرآني مبارك من هذه الناحية. وأن هنالك استحالة في أن يعبر البشر في مثل هذا الحيّز- ولا في أضعاف أضعافه- عن كل ما يحمله التعبير القرآني من مدلولات ومفهومات وموحيات ومؤثرات! وأن الآية الواحدة تؤدي من المعاني وتقرّر من الحقائق ما يجعل الاستشهاد بها على فنون شتى من أوجه التقرير والتوجيه شيئا متفردا لا نظير له في كلام البشر .. وإنه لمبارك في أثره. وهو يخاطب الفطرة والكينونة البشرية بجملتها خطابا مباشرا عجيبا لطيف المدخل، ويواجهها من كل منفذ وكل درب وكل ركن، فيفعل ما لا يفعله قول قائل ذلك أن به من الله سلطانا. وليس في قول القائلين من سلطان!
ولا نملك أن نمضي أكثر من هذا في تصوير بركة هذا الكتاب .. وما نحن ببالغين لو مضينا شيئا أكثر من شهادة الله له بأنه «مبارك» ففيها فصل الخطاب «وقال الألوسي في تفسير كلمة «مبارك» التي وصف الله بها القرآن: وقوله سبحانه مُبارَكٌ أي:
كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة قال الإمام: جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عن هذا الكتاب المتمسك به يحصل به عز الدنيا وسعادة الآخرة».
وهذا القول الذي كان يقوله مشركوا مكة في جاهليّتهم، يقوله أمثالهم في كل زمان؛ ومنهم الذين يقولونه الآن؛ ممن يزعمون أن الأديان من صنع البشر، وأنها تطوّرت وترقت بتطور البشر وترقيهم .. لا يفرقون في هذا بين ديانات هي من تصورات البشر أنفسهم، كالوثنيات كلها قديما وحديثا، وترتقي بالزعم وتنحطّ بارتقاء أصحابها وانحطاطهم، ولكنها تظل خارج دين الله كله. وبين ديانات جاء بها الرسل من عند الله، وهي ثابتة على أصولها الأولى؛ جاء بها