للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي لم تر القتل هي الخاطئة المعاتبة في هذه الآيات. فَتَكُونُونَ سَواءً. أي: ودوا كفركم لتكونوا أنتم وهم مستوين في الكفر. فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أي: فلا توالوهم حتى يؤمنوا، لأن الهجرة في ابتداء الإسلام كانت هي الإعلان العملي عن الإسلام. لأنها دخول إلى دار الإسلام وموالاة عملية لأهله.

فكأن الله- عزّ وجل- نهانا أن نتخذ منهم أولياء، إلا بعد إعطائهم الولاء الكامل للإسلام، وأهله، وداره قولا، وعملا، والقضية التي تلفت النظر هنا، هي ذكر عدم التولي حتى تكون الهجرة، مع أن السياق في المنافقين، وهم يخالطون المسلمين في المدينة. والجواب على هذا- والله أعلم- هو أن ذكر الهجرة في هذا المقام، أفاد شيئين، الأول: أن غير المهاجر ولو ادعى الإسلام، فإنه ما دام مكثرا لسواد الكافرين، عاملا في ظلهم، منفذا لأوامرهم، فهو منافق، ما لم يكن مستضعفا، مستكرها، وهذا حيث وجبت الهجرة وكانت مستطاعة. والثاني: أن من خالط المسلمين، وعاش في دارهم، فحكمه حكم من لم يهاجر، إذ إنه لم يعط لازم الهجرة، من الولاء والطاعة لأهل الإسلام وداره وقيادته، ولم يعاد أعداء الله ويقطع عنهم الولاء.

فَإِنْ تَوَلَّوْا. أي: فإن أعرضوا عن الإيمان. وقال ابن عباس: أي: تركوا الهجرة. وقال السدي: أي: أظهروا كفرهم. والمعاني الثلاثة، متكاملة في محلها. في النص والسياق، فالمنافق هو الموالي لأهل الكفر في دارهم، أو في دارنا، المعرض عن إعطاء الولاء لله ورسوله والمؤمنين. فهذا جزاؤه القتل. فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. فههنا أمر، ونهي، في حق هؤلاء المنافقين، أمر بقتلهم حيثما وجدوا، ونهي عن اتخاذهم أولياء، ونصراء. فليفهم هذا الحكم من لم يفهم حتى الآن، أن من أعطى ولاءه للكافرين، والمنافقين، جزاؤه القتل، والإعراض، والرفض. أما أن يتخذ وليا، ونصيرا، وصديقا، وبطانة، ومستودع سر، وأحيانا قائدا فكيف يكون ذلك إلا من جاهل أحمق، أخرق، أو منافق ضال خداع. وإذن فحكم المنافقين في الأصل في وجوب قتلهم حيث كانوا، كحكم المشركين في وجوب قتلهم حيث كانوا ورفض ولايتهم ونصرتهم؛ لأنها كاذبة خادعة، لا تنبع عن صدق وإيمان. وإنما قلنا بوجوب قتل المنافقين في الأصل من حيث إنه كافر مرتد فيجب قتله ولكن لأن المنافق في دار الإسلام له وضعه الخاص فلا يقتل إلا إذا أظهر نفاقه أو أمر الإمام بقتله ببينة. ويحتمل قوله تعالى: وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. أي: لا تعطوهم نصرتكم، ولا تقبلوا منهم نصرة. وبهذه الآية والتي

<<  <  ج: ص:  >  >>