للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمانات: أمانة الشهادة لهذا الدين .. الشهادة له في النفس أولا بمجاهدة النفس حتى تكون ترجمة له. ترجمة في شعورها وسلوكها. حتى يرى الناس صورة الإيمان في هذه النفس. فيقولوا: ما أطيب هذا الإيمان وأحسنه وأزكاه؛ وهو يصوغ نفوس أصحابه على هذا المثال من الخلق والكمال! فتكون هذه شهادة لهذا الدين في النفس يتأثر بها الآخرون .. والشهادة له بدعوة الناس إليه، وبيان فضله ومزيته- بعد تمثل هذا الفضل وهذه المزية في نفس الداعية- فما يكفي أن يؤدي المؤمن الشهادة للإيمان في ذات نفسه، إذا هو لم يدع إليها الناس كذلك. وما يكون قد أدى أمانة الدعوة والتبليغ والبيان- وهي إحدى الأمانات- ثم الشهادة لهذا الدين بمحاولة إقراره في الأرض، منهجا للجماعة المؤمنة؛ ومنهجا للبشرية جميعا .. المحاولة بكل ما يملك الفرد من وسيله، وبكل ما تملك الجماعة من وسيلة. فإقرار هذا المنهج في حياة البشر وهو كبرى الأمانات، بعد الإيمان الذاتي. ولا يعفى من هذه الأمانة الأخيرة فرد ولا جماعة. ومن ثم ف «الجهاد ماض إلى يوم القيامة» على هذا الأساس .. أداء لإحدى الأمانات.

ومن هذه الأمانات- الداخلة في ثنايا ما سبق- أمانة التعامل مع الناس؛ ورد أماناتهم إليهم: أمانة المعاملات والودائع المادية. وأمانة النصيحة للراعي وللرعية. وأمانة القيام على الأجيال الناشئة. وأمانة المحافظة على حرمات الجماعة وأموالها وثغراتها ..

وسائر ما يجلوه المنهج الرباني من الواجبات والتكاليف في كل مجالي الحياة على وجه الإجمال .. فهذه من الأمانات التي يأمر الله أن تؤدى؛ ويجملها النص هذا الإجمال.

فأما الحكم بالعدل بين «الناس» فالنص يطلقه هكذا عدلا شاملا «بين الناس» جميعا. لا عدلا بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب. ولا عدلا مع أهل الكتاب، دون سائر الناس .. وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه «إنسانا». فهذه الصفة- صفة الناس- هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني. وهذه الصفة يلتقي عليها البشر جميعا: مؤمنين وكفارا، أصدقاء وأعداء، سودا وبيضا، عربا وعجما .. والأمة المسلمة قيمة على الحكم بين الناس بالعدل- متى حكمت في أمرهم- هذا العدل الذي لم تعرفه البشرية قط في هذه الصورة- إلا على يد الإسلام، وإلا في حكم المسلمين، وإلا في عهد القيادة الإسلامية للبشرية .. والذي افتقدته من قبل ومن بعد هذه القيادة؛ فلم تذق له طعما قط، في مثل هذه الصورة الكريمة التي تتاح للناس جميعا. لأنهم «ناس» لا لأية صفة أخرى زائدة عن هذا الأصل الذي يشترك فيه «الناس». وذلك هو أساس الحكم في الإسلام، كما أن الأمانة- بكل مدلولاتها- هي أساس الحياة في

<<  <  ج: ص:  >  >>