وأحباؤه. ثم يبين الله- عزّ وجل- أن الشأن ليس أن تزكي نفسك ولكن أن يزكيك الله، فالمرجع إليه، لأنه أعلم بحقائق الأمور وغوامضها، وأنه لا يظلم أحدا من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل (وهو ما يكون في شق النواة). ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرى افتراءهم على الله الكذب في تزكيتهم أنفسهم، ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم لن يدخلوا النار إلا أياما معدودات، والأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤية يؤكد أن هدف المجموعة هو توضيح الرؤية ثم بين الله- عزّ وجل- أنه كفى بصنيعهم هذا كذبا وافتراء ظاهرا. وبعد أن وضح الله للمؤمنين الرؤية في هاتين القضيتين، وضح لهم الرؤية في قضية ثالثة عند أهل الكتاب، وهي إيمانهم بالسحر والشيطان إيمان المطيع المستعمل، وأنهم يفضلون الكفار وعباد الأصنام على المسلمين بجهلهم، وقلة دينهم، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم، ثم بين أن هؤلاء يستحقون لعنة الله- وقد لعنهم- وأن الذي يلعنه الله فإن أحدا ما لا يستطيع نصره. ثم أنكر الله- عزّ وجل- عليهم حالهم من أنهم لو كان لهم نصيب من الملك والتصرف لما أعطوا أحدا من الناس- ولا سيما محمدا صلى الله عليه وسلم- شيئا ولا ما يملأ النقير: وهو النقطة التي في النواة. ثم أنكر الله- عزّ وجل- حسدهم النبي صلى
الله عليه وسلم على ما رزقه من النبوة العظيمة. وكيف منعهم من تصديقهم إياه حسدهم له؛ لكونه من العرب، وليس من بني إسرائيل، ولكنها طبيعتهم، فقد جعل الله في أسباط بني إسرائيل- الذين هم من ذرية إبراهيم- النبوة، وأنزل عليهم الكتب، وحكم النبيون فيهم بالسنن، وهي الحكمة، وجعل منهم الملوك ومع هذا فمنهم من آمن به، أي: بهذا الإيتاء، وهذا الإنعام، ومنهم من صد عنه، أي: كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه، وهم منهم، ومن جنسهم، أي من بني إسرائيل فقد اختلفوا عليهم، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل؟. ثم تهددهم الله بقوله: وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً. أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله.
ونظرة إلى هذه المجموعة ترينا أنها توضح الرؤيا للمتقين بطبائع أهل الكتاب، ومواقفهم، كيلا نغتر بهم. ونظرة إلى واقع أهل الكتاب الحالي ترينا أن خصائصهم السيئة هذه مستمرة، مستقرة، سواء في ذلك اشتراؤهم الضلالة، وإرادتهم ضلالنا، ودعاواهم، وتزكيتهم لأنفسهم، وتزيينهم الكفر لأهله، وتفضيله على هذا الإسلام سواء كان مجوسية، أو بوذية، أو هندوسية، وحرصهم على الخير لأنفسهم.
وحسدهم لمن أوتي شيئا من الفضل غيرهم، حتى إنهم ليسرقون كثيرا من النظريات