أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده» وقال سفيان الثوري عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ قال: ما أورثوا من الضلالة. وقال ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قوله تعالى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ يعني: ما أثروا، يقول ما سنّوا من سنة فعمل بها قوم من بعد موتهم فإن كانت خيرا فلهم مثل أجورهم، لا ينقص من أجر من عمل به شيئا، وإن كانت شرا فعليهم مثل أوزارهم، ولا ينقص من أوزار من عمل بها شيئا ذكرهما ابن أبي حاتم، وهذا القول هو اختيار البغوي. (والقول الثاني): أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية، قال ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد ما قَدَّمُوا أعمالهم وَآثارَهُمْ قال: خطاهم بأرجلهم، وكذا قال الحسن وقتادة وَآثارَهُمْ يعني: خطاهم. وقال قتادة: لو كان الله عزّ وجل مغفلا شيئا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره، وعمله كله، حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى، أو من معصيته، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله تعالى فليفعل. وقد أوردت في هذا المعنى أحاديث:(الحديث الأول) روى الإمام أحمد ... عن أبي نضرة عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لهم:«إني بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد» قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك فقال صلّى الله عليه وسلم:
«يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم» وهكذا رواه مسلم.
(الحديث الثاني) روى ابن أبي حاتم ... عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد فنزلت إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلم:«إن آثاركم تكتب» فلم ينتقلوا، تفرد بإخراجه الترمذي عند تفسيره هذه الآية الكريمة عن محمد ابن الوزير به ثم قال حسن غريب من حديث الثوري، ورواه ابن جرير عن أبي نضرة به، وقد رواه البزار من غير طريق الثوري. روى الحافظ أبو بكر البزار ... عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: إن بني سلمة شكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد فنزلت وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فأقاموا في مكانهم.