ويتعمق تذوقها للحياة؛ وتكبر اهتماماتها وتعلقاتها وقيمها؛ بقدر ذلك الامتداد في الأبعاد والآفاق والأعماق والمستويات .. بينما أولئك الذين لا يؤمنون بالآخرة، يتضاءل تصورهم للوجود الكوني، وتصورهم للوجود الإنساني؛ وهم يحشرون أنفسهم وتصوراتهم وقيمهم وصراعهم في ذلك الجحر الضيق الصغير الضئيل من هذه الحياة الدنيا!
ومن هذا الاختلاف في التصور يبدأ الاختلاف في القيم، ويبدأ الاختلاف في النظم ويتجلى كيف أن هذا الدين منهج للحياة متكامل متناسق؛ وتبين قيمة الحياة الآخرة في بنائه: تصورا واعتقادا، وخلقا وسلوكا، وشريعة ونظاما ..
إن إنسانا في هذا المدى المتطاول من الزمان والمكان والعوالم والمذاقات غير إنسان يعيش في ذلك الجحر الضيق، ويصارع الآخرين عليه، بلا انتظار لعوض عما يفوته ولا لجزاء عما يفعله وما يفعل به .. إلا في هذه الأرض ومن هؤلاء الناس!.
إن اتساع التصور وعمقه وتنوعه ينشئ سعة في النفس، وكبرا في الاهتمامات، ورفعة في المشاعر! ينشأ عنها هي خلق وسلوك، غير الذين يعيشون في الجحور وسلوكهم. فإذا أضيف إلى سعة التصور وعمقه وتنوعه، طبيعة هذا التصور، والاعتقاد في عدل الجزاء في الدار الآخرة، وفي ضخامة العوض عما يفوت ونفاسته، استعدت النفس للبذل في سبيل الحق والخير والصلاح الذي تعلم أنه من أمر الله، وأنه مناط العوض والجزاء؛ وصلح الفرد واستقام سلوكه- متى استيقن الآخرة كما هي في التصور الإسلامي- وصلحت الأوضاع والأنظمة، التي لا يتركها الأفراد تسوء وتنحرف وهم يعلمون أن سكوتهم على فسادها لا يحرمهم صلاح الحياة الدنيا وحدها وخيراتها؛ ولكنه يحرمهم كذلك العوض في الآخرة فيخسرون الدنيا والآخرة.
والذين يفترون على عقيدة الحياة الآخرة فيقولون: إنها تدعو الناس إلى السلبية في الحياة الدنيا؛ وإلى إهمال هذه الحياة؛ وتركها بلا جهد لتحسينها وإصلاحها؛ وإلى تركها للطغاة والمفسدين تطلعا إلى نعيم الآخرة .. الذين يفترون هذا الافتراء على عقيدة الآخرة يضيفون إلى الافتراء الجهالة! فهم يخلطون بين عقيدة الآخرة- كما هي في التصورات الكنسية المنحرفة- وعقيدة الآخرة كما هي في دين الله القويم ... فالدنيا- في التصور الإسلامي- هي مزرعة الآخرة. والجهاد في الحياة الدنيا لإصلاح هذه