نقول: إن القسم الأول من سورة يونس يفصل في قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ والقسم الثاني يفصل في قوله تعالى هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وسنرى مجالات تفصيل القسم الثالث.
إن القسم الأول يفصل في قوله تعالى ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ وهذا القسم يتألف من مقطعين:
المقطع الأول: وهو الذي مر معنا ويبدأ بقوله تعالى: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ
والمقطع الثاني: وهو الذي سنعرضه بعد قليل: ويبدأ بقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ... ومن خلال النظر إلى بداية المقطعين ندرك أن الله عزّ وجل يقيم الحجة بهذين المقطعين على المرتابين في هذا القرآن. فالمرتابون أحد نوعين: نوع لا يتصورون أن ينزل الله وحيا على بشر، ونوع يتصورون أن محمدا كذاب، وقد ناقش المقطع الأول النوع الأول، وأقام الحجة عليه، وسينصب المقطع الثاني على مناقشة النوع الثاني ويقيم الحجة عليه، والصلة بين المقطع الأول والمقطع الثاني في غاية القوة؛ فهما قسم واحد لأنهما جميعا يقيمان الحجة على نفي الريب في أن يرسل الله بشرا رسولا وينزل عليه وحيا، لذلك انتهى المقطع الأول بقوله تعالى وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وبدأ المقطع الثاني بعده مباشرة بقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ...
وبمجموع المقطعين تقوم الحجة على أن هذا الكتاب لا ريب فيه، وليست في الحقيقة حجة واحدة، وإنما هي حجج؛ فكتاب في مثل هذا الإحكام، وفي مثل هذه المواطأة للكتب السابقة، وفي مثل هذا البيان للأحكام والعقائد والتصورات الصحيحة، وفي مثل هذا الإعجاز وكثرة المعجزات من أين يأتيه الريب؟ فإلى المقطع الثاني من القسم الأول وهذا هو: