مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وهذا يفيد أن بني إسرائيل قد توافرت فيهم هذه الخصال كاملة، ومن ثم لا يهديهم الله عزّ وجل بهذا الدين، ولهذا الدين.
٥ - في قوله تعالى: فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تفسير لقوله تعالى في مقدمة سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فالختم على القلوب سببه أعمال أهلها، وزيغ قلوبهم وفسوقهم بنقض عهد الله، وقطعهم ما أمر الله به أن يوصل، وإفسادهم في الأرض. فالآية في محلها خدمت في تبيان حكمة تشريع الجهاد، وخدمت في تحذير المسلمين أن يسيروا على طريقة بني إسرائيل، وخدمت في تفصيل شئ من مقدمة سورة البقرة وفي ارتباطات المقدمة وامتدادات معانيها: لاحظ ما يلي:
أ- يقول الله عزّ وجل: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وقال هاهنا في السورة: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ مما يفيد تلازم التقوى مع القتال في سبيل الله عزّ وجل، فهذا مظهر من مظاهر التفصيل في مقدمة سورة البقرة وامتدادات معانيها.
ب- في مقدمة سورة البقرة كلام عن المتقين والكافرين والمنافقين، وفي هذه السورة إنكار على نوع من المؤمنين كرهوا القتال عند ما فرض عليهم، وما ذلك إلا لمرض في قلوبهم، كما قال تعالى في سورة القتال: رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ وتفسير المرض بالنفاق نصت عليه مقدمة سورة البقرة فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً فأهل النفاق الذين يخالطون المؤمنين وهم في الظاهر منهم كانوا في الظاهر يتمنون القتال، وبعض أهل الإيمان كانوا يتمنونه كذلك، فلما فرض عليهم نكل أهل النفاق عنه، وبناء على هذا نقول: إن الآيات تفهمنا أن الإيمان الحقيقي ينبثق عنه قول يطابق فعلا، وأن النفاق ينبثق عنه قول لا يطابق فعلا، وأن مما ينبثق عن الإيمان جهاد الكافرين، ومن ثم فسورة الصف تعطينا تفصيلا لقضايا مرتبطة بمقدمة سورة البقرة. قال ابن كثير: (وحمل الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا