فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عزّ وجل!» فأنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ. وقد ذكر الألوسي جملة الأقوال في أسباب نزول هذه الآية فلننقلها تتميما للفائدة مع ما فيه من تكرار لبعض ما ذكرناه:
«وأخرج غير واحد» أن رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم السفلى اليمنى أصيبت يوم أحد، أصابها عتبة بن أبي وقاص، وشجه في وجهه، فكان سالم مولى أبي حذيفة أو على كرم الله تعالى وجهه يغسل الدم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كيف يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
«وأخرج أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وغيرهم، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد «اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحرث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية» فنزلت هذه الآية لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الخ .. فتيب عليهم كلهم. وعن الجبائي أنه صلى الله عليه وسلم استأذن يوم أحد أن يدعو على الكفار لما آذوه حتى إنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ذلك اليوم قاعدا من الجراح، وصلى المسلمون وراءه قعودا، فلم يؤذن له ونزلت هذه الآية، وقال محمد بن إسحاق. والشعبي: لما رأى صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما فعل الكفار بأصحابه، وبعمه حمزة، من جدع الأنوف والآذان، وقطع المذاكير، قالوا: لئن أدالنا الله تعالى منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا بنا، ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب قط فنزلت. وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المنهزمين عنه من أصحابه يوم أحد؛ فنهاه الله تعالى عن ذلك وتاب عليهم ونزلت هذه الآية.
وهذه الروايات كلها متضافرة على أن الآية نزلت في أحد، المعول عليه منها أنها بسبب المشركين، وعن مقاتل، «أنها نزلت في أهل بئر معونة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أربعين وقيل: سبعين رجلا من قراء أصحابه، وأمر عليهم المنذر بن عمرو إلى بئر معونة على رأس أشهر من أحد؛ ليعلموا الناس القرآن والعلم، فاستصرخ عليهم عدو الله عامر بن الطفيل، قبائل من سليم، من عصية، ورعل، وذكوان، فأحاطوا بهم في رحالهم فقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم، إلا كعب بن زيد أخا بني النجار فإنهم تركوه وبه رمق، فلما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجد وجدا شديدا وقنت عليهم شهرا يلعنهم فنزلت هذه الآية فترك ذلك» اهـ.