قال ابن كثير: ففيه دلالة على النهي الشديد، والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار، في أقوالهم، وأفعالهم ولباسهم، وأعيادهم، وعياداتهم، وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نقر عليها.
وقال النسفي في الآية: كان المسلمون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ألقى عليهم شيئا من العلم: راعنا يا رسول الله، أي راقبنا وانتظرنا حتى نفهمه ونحفظه، وكانت لليهود كلمة يتسابون بها عبرانية أو سريانية وهي (راعينا) فلما سمعوا بقول المؤمنين (راعنا) افترصوه وخاطبوا به الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يعنون تلك المسبة، فنهي المؤمنون عنها، وأمروا بما هو في معناها وهو انظرنا، من نظره إذا انتظره.
يقول صاحب الظلال:«فقد كانوا يخشون أن يشتموا النبي صلى الله عليه وسلم مواجهة، فيحتالون على سبه- صلوات الله وسلامه عليه- عن هذا الطريق الملتوي الذي لا يسلكه إلا صغار السفهاء، ومن ثم جاء النهي للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهود ذريعة، وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في المعنى، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته؛ كي يفوتوا على اليهود غرضهم الصغير السفيه، واستخدام مثل هذه الوسيلة من اليهود يشي بمدى غيظهم وحقدهم، كما يشي بسوء الأدب وخسة الوسيلة وانحطاط السلوك، والنهي الوارد بهذه المناسبة يوحي برعاية الله لنبيه، وللجماعة المسلمة، ودفاعه سبحانه عن أوليائه، بإزاء كل كيد وكل قصد شرير من أعدائهم الماكرين».
أقول: إن هذه الحادثة تدل على أن اليهود لا يتركون فرصة يسيئون إلينا بها إلا اهتبلوها مهما كانت هذه الفرصة صغيرة أو خسيسة، وإن أمثالهم كثيرون، وعلينا أن نكون يقظين بحيث لا نعطي عدوا فرصة.
وأول درس يستفاد من الحادثة والآية: أن يحذر المسلم من خداع الألفاظ التي يطلقها الكافرون ومن متابعتهم عليها، ولعل غياب هذه الحقيقة عن أذهان المسلمين كان من أعظم أسباب كوارثهم، فقد تابعوا أعداء الله والإسلام في شعاراتهم وألبستهم وعاداتهم وأفكارهم وتقويمهم للأشياء، وإذا بآلاف الألوية الكافرة ترتفع في أرض الإسلام، ويلتف حولها أبناء المسلمين، واللواء الحقيقي للمسلم لواء الله ورسوله لم يعد يحمله إلا القليل، ولو أن المسلم عقل الانحراف النفسي والعقلي للكافرين عامة لأدرك خطر المتابعة، ولو أن المسلم عقل الوضع النفسي والعقلي للكافرين عامة لعرف أن هؤلاء