قال ابن جرير- كما نقله ابن كثير-: اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ فقال بعضهم شبه به في الصلاح للمؤمنين اتقاؤهم ربهم، وإصلاحهم ذات بينهم، وطاعتهم لله ورسوله، ثم روى عن عكرمة نحو هذا. قال ابن كثير: ومعنى هذا أن الله تعالى يقول: كما أنكم لما اختلفتم في المغانم، وتشاححتم فيها، فانتزعها الله منكم، وجعلها إلى قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها على العدل والتسوية، فكان هذا هو المصلحة التامة لكم وكذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة- وهم النفير الذين خرجوا لنصر دينهم وإحراز عيرهم- فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره، لكم وجمع به بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد؛ رشدا وهدى، ونصرا وفتحا، كما قال تعالى في سورة البقرة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.
وقال النسفي في تقدير هذه الكاف: والتقدير قل الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون.
وذكر ابن كثير عن ابن جرير أقوالا أخرى لتخريج هذه الكاف.
وأقول: لو أنك قرأت الآيات هكذا:
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ ... ألا ترى الربط على أتمه وأحكمه، فهذه الآيات مثل على ما يحب وهو شر، وعلى ما يكره وهو خير، وفي شأن القتال بالذات، وعلى هذا الاتجاه أقول: إن المحذوف الذي ترتبط به الكاف في الآية هو ما تتعلق به الكاف لو أن آية البقرة قد سبقتها.
إن من أبغض الأمور إلى نفسي أن أتكلف أو أتعسف في فهم القرآن، أو أن أحمل كتاب الله ما لا يحتمل، وهذا الذي اتجهت إليه في إبراز الوحدة في السورة الواحدة، وإبراز الوحدة ما بين سور القرآن كلها على نسق واحد، ونظام واحد، وإن لم أسبق إليه فإني أسأل الله ألا أكون متعسفا أو متكلفا.