(ولعل حس رسول الله الملهم قد راعى هذا التصور الصحيح الحي في قول الرجل، فكان هذا من أسباب قوله صلى الله عليه وسلم:«صدق. لا تقولوا إلا خيرا».
وأخيرا يقف الإنسان أمام تقدير الله في الحادث؛ وهو أن يكون حاطب من القلة التي يعهد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسر الحملة. وأن تدركه لحظة الضعف البشري وهو من القلة المختارة. ثم يجري قدر الله بكف ضرر هذه اللحظة على المسلمين. كأنما القصد هو كشفها فقط وعلاجها! ثم لا يكون من الآخرين الذين لم يعهد إليهم بالسر اعتراض على ما وقع، ولا تنفج بالقول: ها هو ذا أحد من استودعوا السر خانوه، ولو أودعناه نحن ما بحنا به، فلم يرد من هذا شئ؛ مما يدل على أن أدب المسلمين مع قيادتهم وتواضعهم في الظن بأنفسهم واعتبارهم بما حدث لأخيهم).
٢ - بمناسبة قوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أأصلها؟ قال:
«نعم صلي أمك» أخرجاه في الصحيحين).
٣ - بمناسبة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ قال ابن كثير: (روى ابن جرير عن أبي نصر الأسدي قال: سئل ابن عباس كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء؟ قال: كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله، ثم رواه من وجه آخر عن الأغر ابن الصباح به، وكذا رواه البزار من طريقه، وذكر فيه أن الذي كان يحلفهن عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وقال مجاهد: فَامْتَحِنُوهُنَّ فاسألوهن عما جاء بهن فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن، أو سخطه أو غيره ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن، وقال عكرمة: يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله، وما جاء بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك