إذ ينظر إلى رحمة الأمهات بأطفالها في الخلائق الحية ويتملاها ويعجب لها، وإلى رحمة القلوب البشرية بالطفولة والشيخوخة، والضعف والمرض؛ وبالأقرباء والأوداء والأصحاب؛ وبرحمة الطير والوحش بعضها على بعض- ومنها ما يدعو إلى الدهش والعجب- ثم يرى أن هذا كله من فيض رحمة واحدة من رحمات الله سبحانه .. فهذا مما يقرب إلى إدراكه تصور هذه الرحمة الكبرى شيئا ما!
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يني يعلّم أصحابه ويذكرهم بهذه الرحمة الكبرى. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبي. فإذا امرأة من السبي تسعى قد تحلّب ثديها، إذ وجدت صبيا في السبي، فأخذته فألزقته ببطنها فأرضعته. فقال صلّى الله عليه وسلّم «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟». قلنا: لا والله وهي تقدر على ألا تطرحه. قال:«فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها» ..
(أخرجه الشيخان). وكيف لا. وهذه المرأة إنما ترحم ولدها، من فيض رحمة واحدة من رحمات الله الواسعة؟ ومن تعليم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه هذه الحقيقة القرآنية بهذا الأسلوب الموحي، كان ينتقل بهم خطوة أخرى، ليتخلقوا بخلق الله هذا في رحمته، ليتراحموا فيما بينهم، وليرحموا الأحياء جميعا؛ ولتتذوق قلوبهم مذاق الرحمة وهم يتعاملون بها، كما تذوقتها في معاملة الله لهم بها من قبل.
عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الراحمون يرحمهم الله تعالى. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» .. (أخرجه أبو داود والترمذي).
وعن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» ... (أخرجه الشيخان والترمذي).
وفي رواية لأبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلّى الله عليه وسلّم:«لا تنزع الرحمة إلا من شقي».
وعن أبي هريرة كذلك. قال:«قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس. فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم» .. (أخرجه الشيخان). ولم يكن صلّى الله عليه وسلّم يقف في تعليمه لأصحابه- رضوان الله عليهم- عند حدّ