للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الوجود إلا الله عزَّ وجلَّ، وأن الخلق آلات لفعله (١)، فإذا تَوَجَّهَ إليه مكروه من جهة غيره يرى فاعله الله عزَّ وجلَّ لا غيره، وأن ذلك الغير آلة للفعل الإلهي كالسيف للضارب والقوس للرامي والرمح للطاعن والقدوم للنجار والسكين للجزار، وحينئذ يندفع عنه الغضب، لأنه لو غضب والحالة هذه لكان غضبه إما على الخالق وهي جُرأةٌ تنافي العبودية، أو على المخلوق وهو إشراك ينافي التوحيد، ولهذا جاء في حديث أنس (أ) قال: خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لم تفعله؟ ولكن يقول: "قدر الله وما شاء فعل، أو لو قدر لكان" (٢).

قلت: وما ذاك إلا لكمال معرفته - صلى الله عليه وسلم - بأن لا فاعل (٣) ولا معطي ولا


(أ) في أولهذا قال أنس.
(١) هذا قول الجبرية.
وقول أهل السنة في هذه المسألة أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة حقيقة، قال تعالى {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} {فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
وأوجد الله للعبد إرادة وقدرة يفعل بهما فعله، فيوصف الفعل بكونه فعلا للعبد وكسبًا له، ويوصف بأنه مخلوق لله لأن الله خالق العبد وقدرته وإرادته، والله قادر مستقل، والعبد قادر يجعل الله له قادرًا. وبذلك الفعل يصير العبد عاصيا أو مطيعًا، وبه يعاقب أو يثاب، والفرق بين العقاب على الفعل الاختياري وغير الاختياري مستقر في الفطر والعقول.
انظر درء تعارض العقل والنقل ٧/ ٢٧٦ والاستغاثة في الرد على البكري ١/ ١٧٥ وشرح العقيدة الطحاوية ٦٥٠.
(٢) رواه البخاري ٣/ ١٠١٨ ومسلم ٤/ ١٨٠٤ بنحوه.
(٣) كلا، بل ذاك لحسن حلقه ولين جانبه وطيب عشرته.